موقع الشاعر محمد فتحى السيد
مرحبا بك زائرنا الكريم أشرقت نور شمسك وفاح عطرك فى كل الصفحات
موقع الشاعر محمد فتحى السيد
مرحبا بك زائرنا الكريم أشرقت نور شمسك وفاح عطرك فى كل الصفحات
موقع الشاعر محمد فتحى السيد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتديات تضم ابداعات متنوعة لنجوم الشعر والادب والفن التشكيلى بلا حدود
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
مركز تحميل الصور
مركز تحميل الصور
مركز تحميل الصور
مركز تحميل الصور
مركز تحميل الصور
مركز تحميل الصور
مركز تحميل الصور
مركز تحميل الصور
مركز تحميل الصور
مركز تحميل الصور

 

 بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 316
نقاط : 604
تاريخ التسجيل : 01/03/2011

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  Empty
مُساهمةموضوع: بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة    بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 12, 2011 12:43 pm

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711100310h3khkepb4y3



ما هي القصة القصيرة




ربما لا يوجد تعريف واضح ومحدد لذلك الفن المراوغ شديد التعقيد، شديد الجمال في آن واحد، ألا وهو القصة القصيرة...

وإذا كان القص في اللغة العربية يعني تتبع الأثر، فإن القصة القصيرة تعني أيمًا اعتناء بتتبع أثر لحظات إنسانية حياتية شديدة الأهمية منتقاة من صميم الذات وتفاعلها مع كل ما هو محيط بها.

والقص في جوهره وجهة نظر ذاتية وموقف من الحياة، والقص كظاهرة إنسانية نشاط ينشأ بالضرورة ويتطور منذ طفولة الإنسان، وهي كظاهرة قد وجدت منذ وجدت المجتمعات الإنسانية المبكرة لتلبي حاجات نفسية واجتماعية، ورغم اختلاف الكتاب والنقاد حول وضع تعريف ما للقصة القصيرة فإنهم تلاقوا على أنها "نص أدبي نثري تناول بالسرد حدثًا وقع أو يمكن أن يقع"، أو هي "حكاية خيالية لها معنى، ممتعة بحيث تجذب انتباه القارئ، وعميقة بحيث تعبر عن الطبيعة البشرية".

لكن طبيعة القصة القصيرة أنها مثل الفن عمومًا، لا تخضع للتعريفات الشاملة المستقرة، حيث إنها ليست مجرد قصة تقع في صفحات قلائل، بل هي لون من ألوان الأدب الحديث الذي نشأ أواخر القرن التاسع عشر -بماهيته المتعارف عليها الآن، دون الالتفات للتجارب البدائية سواء عربيًّا أو غربيًّا- وهذا اللون له خصائص ومميزات شكلية معينة، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، قال "موباسان": "إن هناك لحظات عابرة منفصلة في الحياة، لا يصلح لها إلا القصة القصيرة لأنها عندما تصور حدثًا معينًا لا يهتم الكاتب بما قبله أو بما بعده"، وربما كان هذا هو أهم اكتشاف أدبي في العصر الحديث؛ لأنه يلائم روح هذا العصر، حيث إنه الوسيلة الطبيعية للتعبير عن الواقعية التي لا تهتم بشيء أكثر من اهتمامها باستكشاف الحقائق من الأمور الصغيرة العادية والمألوفة.

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711100307r5sqnzth



والقصة القصيرة تروي خبرًا، وليس كل خبر قصة قصيرة ما لم تتوافر فيه خصائص معينة.. أولها أن يكون له أثر ومعنى كلي، أي تتصل تفاصيله وأجزاؤه بعضها ببعض، بحيث يكون لمجموعها أثرًا، كما يجب أن يكون للخبر بداية ووسط ونهاية، حتى يكون هناك ما يسمى بالحدث.

ولقد افترض الكاتب الأمريكي إدجار ألان بو محددا للقصة القصيرة عندما قال: "إنها عمل روائي يستدعي لقراءته المتأنية نصف ساعة أو ساعتين"، وربما كان ما يسعى لتعريفه هو "أنها يجب أن تقرأ في جلسة واحدة".

لكن يبدو التعريف الأشمل هو الذي يطرحه د. الطاهر مكي – الناقد الأدبي هو أنها: حكاية أدبية – قصيرة، وبسيطة الخطة- تحكي حدثًا محددًا طبقًا لنظرة رمزية -الشخوص فيها غير نامية- تُوجِز في لحظات أحداثًا جسامًا معتمدة على مبدأ التكثيف فكرًا ولغة وشعورًا مما يمكنها من النجاح في نقل دفعة شعورية فائرة.

وعرفها "كالدويل" و"تشيخوف" و"كاترين آن" وغيرهم تعريفاتٍ أخرى متأنية ومتضادة، وبهذا يتضح أن هناك اختلافًا شديدًا في الوقوف على تعريف للقصة القصيرة، وربما تكون هذه هي طبيعية الفن عمومًا، حيث يسلبه التعريف القسري المقياسي روعته وبهائه.

لكن يمكننا أن نخلص إلى أن القصة القصيرة كانت ولا تزال أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر لأنها انتقلت بمهمة القص الطويلة من التعميم إلى التخصيص، فلم تعد تتناول حياة بأكملها، أو شخصية كاملة بكل ما يحيط بها من حوادث وظروف وملابسات، وإنما اكتفت بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد أو زاوية واحدة من زواياه، ورصد خلجة واحدة من خلجاته، أو ربما نزعة صغيرة وتصويرها تصويرًا مكثفًا خاطفًا يعجز العقل الإنساني أحيانًا عن متابعتها، وبهذا يتضح أن القصة القصيرة سيسلب منها الكثير إذا وضع لها تعريف ثابت ومؤطر، حيث إنها تستفيد من كل الأجناس الأدبية وتتفاعل معها، ويبقى شيء هام.. هو أن القاص المبدع –الجاد- هو وحده القادر على شكل وصياغة هذه القيمة الإبداعية الهامة ليعيد بلورة واكتشاف مناطق هامة ربما تكون مهملة في ذواتنا وفي حياتنا الآنية.

ومن المفيد أن نختم بسماع صدى قراءة القصة القصيرة لدى الأدباء والمبدعين والكتاب فأحدهم قال عن شعوره إثر قراءة قصة جيدة: "كأنك تشرب كأس قهوة سوداء مركزة دفعة واحدة وأنت على عجل من أمرك لتترك مفعولها يفعل الأفاعيل في دواخلك الداكنة كذلك هي قراءة قصة قصيرة جيدة".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mfa65.forumegypt.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 316
نقاط : 604
تاريخ التسجيل : 01/03/2011

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة    بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 12, 2011 12:48 pm

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711110314c7r7aoxftl22h


أين نشأة القصة القصيرة




على وجه التحديد لا يمكن لباحث أن يقر بالموطن الذي نشأت فيه القصة القصيرة؛ وذلك ببساطة لأن الحكي خصيصة إنسانية فهي "حكاية" أو "حدوتة" أو "قصة" كانت دومًا في وجداننا حتى صارت جنسًا أدبيًّا متميزًا ونظَّر النقاد والأدباء لهذا الفن وأصَّلوه..

ويتعلم الطفل الحكي كما يتعلم النطق والمشي والغناء، فالجدة هي أمهر القُصَّاص في حياتنا إلى اليوم، وهي قصاص ذكي يحكي حسب حالة المتلقي، فتكافئنا بالحكايات الرومانسية الخيِّرة أو ترعبنا بالأسطورة الموحشة.

والقصة القصيرة باعتبارها نشاطا إنسانيا فإننا لا يمكن أن نحدد لها موطنا بدقة، وإن كان أهل كل حضارة يتنازعون بأحقيتهم في القصة باعتبار ولادتها من رحمهم، وإذا تجاوزنا الأساطير باعتبارها تمهيدًا للفن القصصي، فإننا نجد أن عالم الحيوان كمادة للحكي، كان اعتمادًا أساسيًّا في قصص الأمم كلها، فكليلة ودمنة الهندية أو الأمثال العربية أو حتى القصص اليونانية والإغريقية كل ذلك مَثَّل الحيوان فيه دورًا رئيسًا.

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711110350o6u4g3r3vf9gb


هل نشأت في الشرق ؟

كثير من الباحثين يرون أن القصص الأوربية في عصر نهضة أوروبا تأثرت كثيرا بالأدب الفارسي ومن هذه الأشكال "الفابولا" أحد الأجناس الأدبية الأولى للقصة، وقد ظهرت في فرنسا منذ منتصف القرن الثاني عشر الميلادي وحتى أوائل القرن الرابع عشر، وهي أقصوصة شعرية تحمل روح ومعنى الهجاء الاجتماعي.

ومن هؤلاء "جاستون بارى" أستاذ الأدب المقارن الذي يقول عن الفابولا: إنها استمدت عناصرها وروحها من كتاب "كليلة ودمنة" الفارسي الأصل، والذي ترجمه ابن المقفع، وكانت فكرته الأساسية هي الحكم والفلسفات التي تقال على ألسنة الحيوان، وتعتبر الترجمة العربية لـ"ابن المقفع" أساسا مباشرا أخذت عنه الفابولا".

ومن أمثلة الفابولا الغربية أقصوصة تسمى "اللص الذي اعتنق ضوء القمر" تحكي عن لص يخدعه أحد الأشخاص بأن للقمر سحرا خاصا في نقل الأشخاص دون صوت من مكان إلى آخر، ويصدق اللص الخدعة، ويقع في يد الشرطة، ونجد هذه الأقصوصة نفسها بالكيفية والفكرة والتفاصيل الدقيقة نفسها في كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع.


بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711110319xe03k22mlanmhxpir

وللقصة العربية تاريخ طويل، فالأمثال العربية هي "قصص" في إطار محكم، وتذكر المصادر بعض القصص العاطفي القديم كمثال علي البداية المبكرة لظهور القصة القصيرة في التراث العربي، مثل قصة زنوبيا، وقصة المُرَقَّش الأكبر مع أسماء بنت عوف، كما كان لهم قصص تاريخي اسْتَقَوه من أيام العرب وبطولاتهم وأعملوا فيه مخيلاتهم.

وإذ نلحظ بوضوح تسلل القصص إلى ثنايا كتب التراث مثل "التِّبْر المَسْبوك" للغزالي أو "سراج الملوك" للطرطوشي إلا أنها لم تكن إلا قصصا وعظية ما أريدت لذاتها إنما أريدت لأثرها التربوي والتعليمي، كما أنها لم يُفْرَد لها مؤلَّف خاص بالقصص القصيرة، قبل كتاب (الفرج بعد الشدة) لأبي بكر ابن يحيى الصولي وفيه قصص محكمة النسج، قوية العقدة، سعيدة الخاتمة، متنوعة الأغراض.

كان ذلك حتى برع أحد كتاب الطولونيين بمصر (ابن الداية) فألَّف (المكافأة) وهو عبارة عن 71 قصة موزَّعة على ثلاثة أقسام: الأول عن حسن الصنيع، والثاني عن مكافأة الشر بمثله، والثالث حول حسن العُقْبى.


ومن أشبه الأجناس بالقصة القصيرة في أدبنا العربي "المقامة" التي تعتمد على المحسنات اللفظية والبديعية في الأساس، وللمقامات بطل واحد في كافة الأحداث وهو دائمًا يعتمد على الحيلة والذكاء للتخلص من مآزق يضعه المؤلف فيها، والبطل مثل أبي زيد السروجي عند الحريري أو أبي الفتح السكندري عند مؤلِّفه أبي البديع الهمذاني شخصية تجمع بين الدهاء وطيبة القلب وحب الأسفار وهي أقرب إلى الفكاهات الاجتماعية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mfa65.forumegypt.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 316
نقاط : 604
تاريخ التسجيل : 01/03/2011

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة    بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 12, 2011 12:54 pm

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711100307r5sqnzth


بدايات القصة الحديثة تأثرت بالقصص الشرقية

أول لون من القصة عرفته أوروبا في العصر الوسيط كان كتاب (التربية الدينية) ليهودي أندلسي يدعى (موسى سفردي) اعتنق الكاثوليكية 1106م وسَمَّى نفسه (بدرو ألفونسو)، وأغلب الظن أنه كتبها بالعربية ثم ترجمها وهي خليط من كليلة ودمنة والسندباد البحري وغيرهما، وكان هذا هو مَعْبَر أوروبا إلى القصة، وهو جسر عربي واضح المعالم باعتراف نقاد الغرب أنفسهم، وباقتصار القَصّ الأسباني على الوعظ والتربية، نما القص الإيطالي في القرن الرابع عشر داخل حجرة فسيحة في الفاتيكان أطلقوا عليها: "مَصْنع الأكاذيب"، اعتاد أن يتردد عليها العاملون في الفاتيكان للَّهو والتسلية وإطلاق القصص المختلفة عن رجال ونساء الفاتيكان حتى دوَّن أحدهم (بوتشيو) هذه القصص وسماها "الفاشيتيا"..

وفي القرن السادس عشر انتشرت في أسبانيا وإيطاليا وفرنسا قصص الرعاة، وهي قصص تمجِّد الحب العذري وأخلاق الفرسان وحياة البداوة متأثرة بوضوح بقصص العرب (محور الحضارة وموضة العالم آنذاك!)، حتى خبا وهج القصة القديمة في القرن 18 الميلادي وكادت تندثر بتأثير إهمال الأدب في العالم كله والاهتمام بما هو مادي ملموس فحسب.


بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711110314c7r7aoxftl22h

القصة الحديثة أوروبية خالصة

ومع بدايات القرن التاسع عشر بدأ انتشار الصحافة وانتشر معها الفن القصصي، ودخول القصة معترك السياسة أعطاها حيوية ومضيًّا كسلاح لا يُفَلّ، ودخلت في الصراع الاجتماعي والديني حتى أصبحت مناضلة دون مقصدها تتنفس بالشكوى والتمرد، وتصارع مع البسطاء قسوة الحياة وغلظتها، ويكفي أن نذكر أسماء ذات اعتبار لندرك كيف أن هذا القرن هو قرن القصة القصيرة:

موباسان – تشيخوف - إدجار آلان بو – جوجول- أوسكار وايد- دوديه – هوفمان.

وملخص القول في هذه القضية ما يؤكده الناقد الأدبي د. عبد المنعم تليمة (الأستاذ بكلية الآداب – جامعة عين شمس بمصر) أن العرب لم يأخذوا القصة الحديثة عن أوربا، فـ(القَصّ) جذوره ممتدة في التراث العربي.. أما القصة القصيرة بشكلها الحديث الذي وصلت إليه فهي نتاج أوربي بلا مراء، ولكن العرب لم يتخلفوا عن ركب القصة القصيرة؛ لأننا أبدعنا في هذا المجال في عصر موازٍ للإبداع الغربي، ودعوى سبق أوربا لنا لا تقوم؛ لأن الفارق الزمني بيننا وبينهم لا يتعدى عشرات من السنين، وهذا -في رأيه- ليس زمنًا طويلاً ولا عصرًا كاملا]




القصة العربية في العصر الحديث ...... كانت المقامة هي الإرهاصة الأولى لفن القصة القصيرة العربية بشكلها المتعارف عليه الآن. وبعد فترة خفت صوت الحضارة العربية ليتلقف الغرب منجزها الفكري/ العلمي، فأضاف إليه بعد أن عكف على دراسته وتحليله، وكان لهذا الفكر دور مهم في النهضة الغربية الحديثة، وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت موجة من الترجمات عن الغرب -وإن كانت قد بدأت قبل ذلك وتحديدًا في الثلاثينيات، على يد رفاعة الطهطاوي- فحدث تفاعل وتلاقح نتيجة الاطلاع على هذا المنجز الذي أضاف ولا شك للبنية الفكرية العربية التي كانت تعيد تشكيل وعيها بعد فترة طويلة من السكون.

ظهرت القصة كفن أدبي في بداية القرن العشرين، وكان لها ذيوع كبير، وتذهب بعض الآراء إلى أن أول قصة قصيرة عربية بالشكل المتعارف عليه كانت قصة "في القطار" لمحمد تيمور، والتي نشرت في جريدة "السفور" سنة 1917، بينما هناك آراء أخرى تقول بأن أول قصة قصيرة عربية تظهر في العصر الحديث كانت لميخائيل نعيمة، وهي قصة "سنتها الجديدة" التي نشرت في بيروت عام 1914.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mfa65.forumegypt.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 316
نقاط : 604
تاريخ التسجيل : 01/03/2011

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة    بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 12, 2011 1:23 pm

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711110304ezg2yoc7lruqx

مصر نموذجا

عماد مطاوع

كانت ثمة جهود ومحاولات للاقتراب من كتابة القصة القصيرة العربية، واضطلع بالقيام بهذه المحاولات "عبد الله النديم" من خلال مجلته "التنكيت والتبكيت"؛ حيث كان يلجأ إلى الشكل القصصي في انتقاداته اللاذعة التي اشتهر بها، كذلك تجربة لبيبة هاشم ومنصور فهمي وخليل مطران، وإن كانت كلها لم تتعدَّ الإسهام في الشكل الهيكلي للقص، ثم كانت تجربة "محمد المويلحي" في "حديث عيسي بن هشام"، والتي اقتفى فيها أثر المقامة العربية القديمة، وأيضًا كتابات "مصطفى لطفي المنفلوطي" التي كانت وعظية انتقادية في المقام الأول، لكن كان لها دور مهم في هذه المرحلة؛ ما وفر لها فرصة الذيوع والانتشار، وجاءت مرحلة أخرى مهمة وهي مرحلة الرواد الذين ضربوا بحماس وقوة في أرض ذلك الفن الجميل، والذين أنتجوا بالفعل تجارب قصصية لها كيانها الفني والفكري، طبقا لعصرهم وظروفه، وهؤلاء هم: محمد تيمور، عيسى عبيد، شحاتة عبيد، محمود تيمور، محمود طاهر لاشين.


في هذا الوقت كانت ثورة 1919 قد فتحت وعي الكثيرين على ضرورة التجديد والثورة على القديم، وظهر إلى النور ما سمي "المدرسة الحديثة في القصة" والتي قادها "أحمد خيرت سعيد" من خلال مجلة "الفجر" التي كان شعارها الهدم من أجل البناء. ومن أبرز أعضاء هذه المدرسة: حسين فوزي، يحيى حقي، إبراهيم المصري، حسن محمود، سعيد عبده، محمود البدوي.

ولقد قدمت المدرسة الحديثة إنجازات مهمة توازت مع حركة الترجمة التي كانت نشيطة في هذا الوقت، وأصبح للقصة القصيرة مكانة هامة، وصارت محط ترحيب كافة الإصدارات والدوريات.

ثم جاء جيل الخمسينيات كما اصطلح على تسميته. ومن أبرز كتاب هذا الجيل: يوسف الشاروني، يوسف إدريس، أبو المعاطي أبو النجا، عبد الرحمن الخميسي، محمد صدقي…

وكان للحركة التحريرية التي شبت في العالم العربي إبان النصف الثاني من القرن العشرين دورًا هامًا في تبني هذا الجيل لشعارات وتوجهات الأنظمة السياسية، ولم ينجح منهم إلا القليل الذين ظلوا مخلصين للقصة كفن يعبر عن ذواتهم وعن مجتمعاتهم.

تعد حقبة الستينيات من أكثر الفترات غليانا على مستوى المحيطين العربي والعالمي، فقد كانت هناك حرب باردة بين قطبي العالم وقتها: أمريكا الاتحاد السوفيتي.

وكان للعالم العربي وضعيته الخاصة؛ فهو يموج بالكثير من حركات التحرر والتغيير، ومحاولة إيجاد شكل ديمقراطي للحياة السياسية، وبهذا كان جيل الستينيات كالقذيفة التي انفجرت. وبرز في هذا الجيل أسماء عديدة كان لها تواجدها ودورها الهام على الخريطة الإبداعية العربية، فلقد قفز هذا الجيل بكتابة القصة قفزات واسعة، وأصبحت أقلامه مرايا مخلصة لمجتمعها تعري عيوبه، ومن أبرز هذه الأسماء: محمد حافظ رجب، يحيى الطاهر عبد الله، إدوار الخراط، سليمان فياض، محمد البساطي، جمال الغيطاني، يوسف القعيد، إبراهيم أصلان، عبد الحكيم قاسم، مجيد طوبيا، محمد إبراهيم مبروك، بهاء السيد، عز الدين نجيب، محمد جاد الرب، محمد عباس، الدسوقي فهمي، خيري شلبي، محمد مستجاب، محمد جبريل...

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  03171111033543djp6mmez
السودان نموذجًا

*باختصار من مقال "ملامح من تاريخ القصة القصيرة في السودان" عن البيان الإماراتية

بقلم: الشفيع عمر حسنين

مؤثرات على نشأة القصة القصيرة السودانية:

- التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى خلخلة النظام القبلي الموروث، ونمط الحياة المستقرة.

- التأثر الواضح بالموروث من التراث الشعبي والأسطورة.

- حركة الأدب في كل من مصر وسوريا ولبنان وبريطانيا، والكتب المترجمة من الأدب الروسي إلى اللغتين العربية والإنجليزية، والتي كانت في أوج مجدها في تلك الفترة.

دور معاوية محمد نور

شهدت فترة الثلاثينيات نشاطا واسعا للناقد والقاص معاوية محمد نور، من كتابة للقصة، ودراساته في النقد الأدبي، وإسهاماته المتعددة في الصحف والمجلات الإنجليزية والمصرية واللبنانية أثناء دراسته بجامعة بيروت.

ويعتبر معاوية نور أول من كتب القصة القصيرة بمعناها المحدد والمعروف. وساهمت مقالاته في النقد بصحيفة السياسة الأسبوعية في اتجاه الكتّاب نحو الواقعية وتصوير الشخصيات الحية ودعاها إلى تبني القصة النفسية الاجتماعية، وقدم أمثلة حية بكتاباته للقصة القصيرة، وإن اعتمدت على طريقة التحليل النفسي. وأدى ظهور مجلتي "النهضة" و"الفجر" إلى المساهمة في استقطاب وتشجيع الكتّاب ونشر أعمالهم ودراساتهم عن فن القصة. فظهرت في تلك الفترة أسماء: عبد الحليم محمد، السيد الفيل، حسن أحمد ياسين، ومحمد عشري الصديق كأول من اهتموا بالقصة القصيرة ووضع لبناتها الأولى لتسير جنبا إلى جنب مع الحركة الشعرية التي ازدهرت في تلك الفترة. ودارت أغلب قصصهم عن الزواج والحب والنزوح من القرية والسفر. وأخذت الأسطورة والتراث حظهما الجيد من اهتماماتهم التي لم تخرج من نطاق فكر المجتمع آنذاك. ونال الاستعمار أيضا قدرا لا بأس به من الاهتمام لديهم ليعبروا بذلك عن مشاعر الأمة، وليستحقوا لقب جيل الرواد.

فترة الأربعينيات

أما فترة الأربعينيات فقد جاء التأثر فيها واضحا بالمذاهب الفكرية التي ظهرت في السودان، ومن أبرزها ما سمي بالواقعية الاشتراكية. وعرفت القصة تطورا نوعيا في نمط وأشكال القصة إلى التعبير عن قطاعات المجتمع الدنيا، وأصبحت القصة أكثر ديناميكية، واكتسبت صفة الحيوية باستيحائها للشخصيات والحواريات من عمق المجتمع ورصد حالاته وتحليلها. ومن أبرز الأسماء في هذه الفترة: خليل علي، أبو بكر خالد، وعثمان علي نور الذي أصدر مجلة «القصة» كأول مجلة سودانية متخصصة تعنى بالقصة القصيرة. وظهرت أسماء تركت بصماتها الكبيرة في الأدب السوداني الحديث كله أمثال البروفيسور علي المك، د. إبراهيم الشوش، الشاعر صلاح أحمد إبراهيم، الزبير علي وغيرهم.

وتعتبر هذه الفترة من أخصب الفترات وأكثرها تأثرا بحركة الأدب والنقد العالمية، وبانتشار فن القصة على نطاق واسع. وأفاد كتّاب هذه الفترة كثيرا من هجرتهم ودراساتهم بالخارج. وتزامن هذا الثراء في القصة مع حركة الشعر الكبيرة التي انتعشت في تلك الفترة.

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711110314c7r7aoxftl22h

الجزائر نموذجا

من بحث: "تطوّر البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة 1947 - 1985 - شريبط أحمد شريبط

نشأت القصة الجزائرية على يد رجال الإصلاح ومقاومة المحتل مثل: محمد بن العابد الجلالي، ومحمد سعيد الزهراوي. وكانت تسمى القصة الإصلاحية وتتناول القيم التي يجب أن تسود المجتمع وضرورة التخلص من المحتل، وأهمية الحرية وكان ذلك في حوالي 1924، لكن التطور والنضج الحقيقي كان على يد جيل الثورة الأدبي‏؛ حيث عرفت الحياة الأدبية والثقافية في الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية (1944) تطوراً ملحوظاً، فقد كثر عدد الكتاب ورجع بعضهم إلى أرض الوطن، وتخرج بعضهم الآخر في معاهد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كما شهدت هذه المرلة استمرار إرسال البعثات العلمية إلى البلاد العربية، وخاصة إلى تونس، والمغرب الأقصى، مما نتج عنه ازدهار طرأ على مختلف الأنواع الأدبية إثر تأسيس النوادي والجمعيات الثقافية، وانتشار الصحف اليومية والمجلات الدورية التي تعنى بالإبداع.‏

ويعد قيام حرب التحرير الوطنية الكبرى في أول نوفمبر عام 1954 من أهم عوامل تطور الأدب الجزائري المعاصر سواء على صعيد الشكل أو المضمون، "والتحقت القصة بدورها بالجبل تعايش الثورة وتكتب عنها، ومن القصاص من تفرغ للثورة، وتخصص فيها، ولم يكتب عن أي موضوع سواها مثل عثمان سعدي وعبد الله ركيبي، وفاضل المسعودي ومحمد الصالح الصديق.

لارتباط القصة بالثورة الجزائرية أثران:

أحدهما إيجابي: ففي الشكل حاول القصاصون استعارة أشكال فنية مختلفة من الآداب العربية والأجنبية لمواكبة التعبير عن الثورة، وعلى مستوى المضمون أثرت الثورة التحريرية في مضمون القصة، بما لا يقل عن أثرها في الشكل، فقد تقلصت الموضوعات الإصلاحية وخلفتها موضوعات جديدة استلهمت الواقع، فكثر وصف صمود الشعب الجزائري أمام قوى المستعمر وتصوير بطولات المناضلين والتعبير عن الحياة الاجتماعية الجديدة.‏
أما التأثير السلبي:‏ فقد اهتم القاص الجزائري اهتماماً كبيراً بتصوير المعارك، وبدافع وطني يمليه إحساسه بالواجب، والتزام بتصوير كفاح الشعب، وقد أدى هذا الالتزام إلى بروز بعض الكتابات الضعيفة، لغياب التركيز أو عنصر التشويق.
أبرز كتاب جيل الثورة (1954-1962): عبد الحميد بن هدوقة، وأبو العيد دودو، والطاهر وطار.

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711110314c7r7aoxftl22h


سوريا نموذجا

الإرهاصات 1931-1947:

نُشر في هذه المرحلة اثنتا عشرة مجموعة قصصية، كان فن القصة القصيرة واضحاً في بعضها، وفي قسم آخر ترجح بين الصورة والمقالة والخاطرة، لكنها في مجملها تحمل بذور نضوج فن القصة القصيرة في تاريخ الأدب السوري. إن الجرأة على نشر المجموعات، وطرق موضوعات لم يعتد طرقها من قبل، والاستفادة من الاحتكاك مع الآخر جديرة بالانتباه، بخاصة أن أماكن النشر كانت متعددة، والكتاب كانوا من مناطق متعددة، وقد أسهمت الصحافة إسهاماً فاعلاً، وراح عدد من أولئك القاصين يتابع الكتابة والنشر لاحقاً، وقد طوّر تجربته وقادها إلى مصاف فنية مقبولة: أديب نحوي- مظفر سلطان...

كانت أمام الكتاب آنئذٍ مهام عديدة تتصل بضرورة ترسيخ جذور الفن القصصي؛ إذ أدرك معظمهم أن مفهوم القصة القصيرة غربي الجذور، وعلى الرغم من بدء نشاط الترجمات من الأدب الفرنسي والروسي، وبدء انتشارها سواء أكانت ترجماتها في سورية أم لبنان أم مصر، فإن الأدباء كانت تتناوشهم ناران: نار الصدمة مع الآخر وضرورة الاستفادة مما تقدمه ثقافته، ونار كونه محتلاً لأرضنا.‏
إن الهم الاجتماعي كان من أبرز الهموم التي شغلت القاصين، وتجلى ذلك عبر نقد ما يقوم به الناس وبعض العادات والتقاليد، وكان الديدن الرئيسي لهذا الهم الإشارة إلى الآثار الاجتماعية المأساوية على العلائق بين الناس.‏
مثلما انصرف عديدون نحو معالجة الهموم الذاتية ذات البعد الإنساني التي تتعلق بمدى مقدرة الذات على الانسجام مع المجتمع، وما تكابده هذه الذات نتيجة بعض العادات والتقاليد. وراح قاصون يتحدثون عن هموم تاريخية، فيما انشغل بعضهم بالصدمة مع الغرب وتأكيد الفروقات، وكذلك تأكيد ضرورة الاحتكاك.

استواء الفن 1959- 1968:

وهذه المرحلة أبرز الحلقات في تاريخ القصة السورية من حيث تقديمها وترسيخها لعدد من الأسماء التي لا تزال تعدّ من أميز الكتاب، مثل: زكريا تامر، وليد إخلاصي، حيدر حيدر، محمد حيدر...

تأثرت القصة السورية بانكسار الحلم القومي إثر انهيار الوحدة المصرية السورية وكذلك الصفعة الكبرى في حرب 67، وقد تجلت آثار هذه الصدمة في نفوس الناس وفي مختلف منتوجاتهم من أدب وفن وفكر.

تميزت القصة القصيرة في تلك الفترة بالمقدرة الواضحة في المزج بين القضايا الاجتماعية والقضايا الوطنية والقومية التي أدرك عديدون أنها لا تنفصل عن بعضها، وربما تكتسب جميعها المزيد من المصداقية في ظل تقاطعها.

فيما انشغل بعضهم في تسجيل تجربته الشخصية التي عايشها، غير حريص كثيراً على المسألة الفنية بقدر حرصه على توثيق ما حدث معه، وربما غير آبه بإعطائها الأبعاد الإنسانية أو تعميقها دون أن يغفل المرء عن الأثر البكائي الانفعالي، واللغة الإنشائية العالية في بعض القصص.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mfa65.forumegypt.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 316
نقاط : 604
تاريخ التسجيل : 01/03/2011

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة    بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 12, 2011 1:27 pm

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  0317111103175as7i1h66qkjpa94e

لمحات في أسلوب كتابة القصة القصيرة

للقصة القصيرة عناصر هامة تتضافر وتتشابك لتخرج في النهاية هذه التركيبة الإبداعية الإنسانية، ولا نزعم أن هناك من يمكنه أن يضع "أسسًا" للفن؛ حيث يميل الفن إلى التنافر مع التأطير ومحاولة الاحتواء، لكننا نحاول مجرد الوقوف على أهم عناصر وتراكيب فن القصة القصيرة، الذي يضفي مزيدًا من الجمال على تكوينها.

انطلق "أدجار ألان بو" في تعريفه القصة القصيرة من وحدة الانطباع، ومن أنها تُقرأ في جلسة واحدة. ورأى "سومرست موم" أنها قطعة من الخيال، وركز "فورستر" على الحكاية، واعتمد "موزلي" على عدد الكلمات.

وقال "هيدسون" بأن ما يجعل عمل الفنان قصة قصيرة هو الوحدة الفنية. ويرى "شكري عياد" أنها تسرد أحداثاً وقعت حسب تتابعها الزمني مع وجود العلية.

بينما يلتقي الناقد الأيرلندي "فرانك أكونور" (Frank acoonor) مع "حسن اليافي" في جعلها أشبه بالقصيدة الشعرية من حيث "التغني بالأفكار والوعي الحاد بالتفرد الإنساني".

وإذا نحن أمعنا النظر قليلاً في كل هذه التعريفات؛ فإننا سنجد كلاً منها يستند إلى واحدة أو أكثر من خصائص القصة القصيرة؛ ليستنتج منها تعريفاً شاملاً.. فوحدة الانطباع أو القصر المعبر عنه بعدد الكلمات أو بالقراءة في جلسةٍ واحدة، أو الحكي أو الشاعرية كلها مميزات لا تخلو منها القصة القصيرة.

فإذا كان لا بد للتعريف من أن يتأسس على الخصائص؛ فالأجدر أن يكون جامعًا؛ لأن وحدة الانطباع في حد ذاتها مسألة نسبية، قد لا تختص بها القصة القصيرة وحدها؛ فهي أثر تتركه النادرة والنكتة والخاطرة والقصيدة الشعرية، ولِم لا تتركه الرواية أيضاً في ذهن قارئ يستوعب النص، ويتمكن من تحريكه في رحابة ذهنية طيعة؟

وعدد الكلمات قضية جزئية بالقياس إلى البنية الفنية، وقد نصادف أعمالاً في حجم القصة القصيرة من حيث عدد الألفاظ، وربما تنسب إلى الرواية أسبق من القصة.


لا شك أن التركيز والتكثيف يمكنان من القبض على لحظة حياتية عابرة، ولا يسمحان بتسرب الجزئيات والتفاصيل، ويحتم هذا الموقف على الكاتب أن يستغني عن كل ما يمكنه الاستغناء عنه من الألفاظ والعبارات، وكل ما من شأنه أن يثقل النسيج القصصي، ويبدو حشوًا يرهل النص، ويضعف أثره الجمالي.

أما كونها قطعة من الخيال؛ فذلك أمر بديهي. إلا أن الأكثر بداهة هو ألا يكون عنصر الخيال خاصية في القصة القصيرة دون غيرها.

إذ الخيال قوام كل عمل أدبي ناجح، وفي غيابه لا معنى للحديث عن أدب.. هكذا يتبين أن الاعتماد على خاصية واحدة لتعريف القصة القصيرة -ولو أن الخاصية أبرز من غيرها- يظل يشوبه النقص ولا يفي بالغرض المنشود. ولعل الباحث المغربي "أحمد المديني "قد شعر بقصور كل واحد من التعريفات السابقة مأخوذة على حدة؛ فقال موفقاً بينها جميعاً:

"وبالإجمال نستطيع القول: إن القصة القصيرة تتناول قطاعا عرضياً من الحياة، تحاول إضاءة جوانبه، أو تعالج لحظة وموقفاً تستشف أغوارهما، تاركة أثراً واحداً وانطباعاً محدداً في نفس القارئ، وهذا بنوع من التركيز والاقتصاد في التعبير وغيرها من الوسائل الفنية التي تعتمدها القصة القصيرة في بنائها العام، والتي تعد فيها الوحدة الفنية شرطاً لا محيد عنه، كما أن الأقصوصة تبلغ درجة من القدرة على الإيحاء والتغلغل في وجدان القارئ، كلما حومت بالقرب من الرؤية الشعرية".

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711110350o6u4g3r3vf9gb


والقصة لغة

"أحدوثة شائقة. مروية أو مكتوبة، يقصد بها الإقناع أو الإفادة"، وبهذا المفهوم الدلالي؛ فإن القصة تروي حدثاً بلغة أدبية راقية عن طريق الرواية، أو الكتابة، ويقصد بها الإفادة، أو خلق متعة ما في نفس القارئ عن طريق أسلوبها، وتضافر أحداثها وأجوائها التخييلية والواقعية.‏ والقصة عند الكاتب الإنجليزي "هـ. تشارلتون" H.B. TCHARLETON إن لم تصور الواقع فإنه لا يمكن أن تعَد من الفن.

عن الحدث

إن القصة القصيرة لا تحتمل غير حدث واحد، وربما تكتفي بتصوير لحظة شعورية واحدة نتجت من حدث تم بالفعل أو متوقع حدوثه، ولا يدهش القارئ إذا انتهى من القصة، ولم يعثر بها على حدث؛ إذ يمكن أن تكون مجرد صورة أو تشخيص لحالة أو رحلة عابرة في أعماق شخصية، لكن لأن القصة القصيرة -على خلاف الرواية- عادة ما تركز على شخصية واحدة تتخذها محورًا ومنطلقًا، لا بد أن يكون هناك شخصيات أخرى تقدم خدمات درامية لهذه الشخصية، كما تتكشف لنا من خلال هذه التفاعلات والاشتباكات. ولهذا تتضح أهمية الحدث وأهمية أن يكون فعلا قويًا شديد التركيز والسلاسة وشديد التعبير أيضًا عن الحالة النفسية لأبطال العمل؛ لأن القارئ إذا لم يجد هناك حدثًا هامًا وفاعلا فسينصرف عن متابعة العمل؛ إذ إنه فقد الحافز المهم وهو الحدث.. إن الحدث هو ما يمكن أن نعبر عنه في أقل عدد من الكلمات..

والحدث ببساطة يمكننا أن نعرفه من خلال محاولتنا التعبير عن فحوى القصة في أقل عدد ممكن من الكلمات؛ ففي قصة الفاركونيت يمكننا أن نقول: إن الحدث هو: اعتقال رب أسرة، والقلق الذي يسود هذه الأسرة الصغيرة.. أما في بيت من لحم فإننا نستطيع القول بأن الحدث بها هو الرغبات المكبوتة المحتدمة داخل النفس البشرية، أو أن نقول: "ظل رجل ولا ظل حائط"، كما يقول المصريون.. ونختم بمقولة آندروسون إمبرت -الناقد الأرجنتيني- حين يتحدث عن: "وحدة نغم قوية وعدد قليل من الشخصيات، وموقف نترقب حل عقدته بنفاد صبر، ويضع القصاص نهايته فجأة في لحظة حاسمة مفاجئة".

التكثيف والاختزال

يبدأ بناء القصة القصيرة مع أول كلمة، ومعها يشرع الكاتب في الاتجاه مباشرة نحو هدفه، فإن هذه البداية تحمل الكثير من رؤية العمل وروحه؛ فيجب أن تكون البداية مشوِّقة محفزة للقارئ أن يواصل القراءة ليرى ما هي حكاية هذه القصة.

يجب أن يكون العمل متماسكًا مكثفًا متخلصًا من السرد غير اللازم الذي يصيب العمل بالترهل، وربما كانت مقولة يوسف إدريس خير دليل، عندما قال: "إن القصة القصيرة مثل الرصاصة تنطلق نحو هدفها مباشرة"، ولهذا يجب أن يكون العمل متماسكًا في وحدة عضوية شديدة، وأن يكون محكم البناء، وأن يمسك الكاتب بعناصر الكتابة جيدًا حتى يستطيع أن يفرغ على الورق كل ما يدور بداخله بدقة وصدق ليضمن وصوله إلى القارئ في سهولة وصدق أيضًا؛ ولهذا يجب أن تكون البداية والنهاية والحدث على درجة عالية من التكثيف والتركيز.

لا مجال في القصة القصيرة لأي كلمة لا تخدم الهدف الأساسي للكاتب، وليس معنى ذلك أن الكاتب يكون قد حدد لنفسه هدفًا واحدًا تصب فيه فكرة قصته.. ولا يسعه الخروج منها أبدا، لكن الأمر يتلخص في وحدة الحالة الشعورية عند الكاتب التي تؤدي إلى أن القارئ بعد انتهائه من القصة يصل إلى أن النهاية التي وصل إليها الكاتب لا يوجد في السياق إلا ما يخدمها فقط؛ فـ"إدجار آلان بو" يصفها قائلاً: "يجب ألا تكتب كلمة واحدة لا تخدم غرض الكاتب". ويمكن أن نلمح هذا التكثيف والاختزال في القصص المعروضة في أروع ما كتب؛ حيث تلاحظ في غالبيتها أنه لا وجود لوصف لا يخدم غرض الكاتب، كما لا توجد شخصيات يمكننا حذفها دون إخلال بالسياق.. وأرقى صور الاختزال والتكثيف هو الاختزال على مستوى اللغة؛ فقدر الإمكان يجرد الكاتب لغته من كل ما لا يخدم غرضه الفني..

الزمان والمكان في القصة القصيرة

في القصة القصيرة يمكن باستخدام أسلوب ودلالة ما أن أوضح كثيرًا من العناصر مثل الزمان والمكان..

فيما يخص الزمان فإن تحديد حقبة تاريخية معينة -بداية القرن التاسع عشر مثلا- كفيلة عند ذكرها في القصة أن تنقل المتلقي إلى عالم آخر، وكفيلة وحدها -إن أراد الكاتب- أن تنتقل بالمتلقي إلى عالم خاص من التعليم الديني والورش والصناعات الصغيرة والهدوء الذي يلف الناس.. والآمال المتواضعة والأحلام البسيطة و…

إذن فالزمان وحده أضاف أبعادًا لا متناهية على القصة، ومثال آخر حينما يتحدث الكاتب عن الثالثة بعد منتصف الليل فإن ذلك ينتقل بالمتلقي إلى الرهبة والخوف والأعمال غير المشروعة، وبائعات الهوى واللصوص، أو المؤمنين وسبحاتهم، أو الأم القلقة على وليدها المريض أو الزوجة القلقة على زوجها الذي تأخر.

أما بخصوص المكان فمن خلال استخدام أدوات القص يمكنني أن أعرف ماهية المكان الذي تدور فيه أحداث القصة؛ فهل هو مكان مغلق، محدود بجدران وسقف، أم مكان مفتوح غير محدود بشيء؟ هل هو على شاطئ البحر أم على ظهر طائرة؟… إلخ؛ ولهذا دور مهم في تهيئة الجو الخاص للتلقي، خاصة إذا كان القاص يمتلك أدوات الوصف بشكل جيد.

والزمان والمكان مرتبطان كثيرا في العمل القصصي؛ ففي المثال الذي أوردناه عن الزمان: الليل، فلا يمكن للمتلقي أن يركز في اتجاه قصة ما لم يعرف أين مكان هذا الزمان: في شارع مظلم، أم في شقة متواضعة، أم في وكر لعصابة؟

وبتطبيق ذلك على قصة الفاركونيت نستطيع أن نقول: إن هذه الجملة الافتتاحية التي تحدد الزمان "هدير السيارة يزعج صمت الليل" استطاعت أن تنقلنا إلى عالم القصة فورا وتدخلنا في أجوائها..

الرمز في القصة القصيرة

يلجأ كاتب القصة لاستخدام الرمز في حالات عديدة، منها مثلا: إذا كانت قصته تدور في فلك الرمزية أو تجنح إلى الفلسفة والغيبيات، لكن الحالات التي يلجأ فيها الكاتب إلى الرمز مضطرًا هي عندما حينما يتصدى الكاتب لنوع من القهر، وخاصة عندما يواجه "بالتابوهات" الثلاثة التي تقف أمام أي كاتب، وهي (السياسية، الدين، الجنس)، وهناك كتاب كثيرون استطاعوا التعامل بذكاء مع مثل هذه "التابوهات"، وربما كان أكبر مثال على ذلك في تاريخنا الأدبي هو كتاب "كليلة ودمنة" للحكيم "بيدبا"، وهو مجموعة من الحكايات -القصص- تحكي على ألسنة الطير والحيوانات، لكنها في الأساس تقدم نقدًا لمجتمع المؤلف وقتها.

ولما كانت القصة القصيرة هي أكثر الأجناس الأدبية تفاعلا وتأثرًا بغيرها من الأجناس فلقد استفادت بالكثير من أدوات المسرح مثلا كالظلال واللعب بالأضواء، وأمثلة أخرى كثيرة لأهمية استخدام الرمز في القصة القصيرة، لكن الأكثر وضوحًا أن اللجوء للرمز بشكل مفرط يضيع الكثير من جماليات العمل الفني، خاصة لمن هم على أول الطريق الإبداعي.

لكن الأمر المؤكد أن الكاتب الذكي اللماح يستطيع أن يثري عمله إذا اعتمد على الرمز، وتحولت كل مفردات العمل إلى "حمالة أوجه" تحمل وجهًا ظاهرًا للجميع، وآخر أعمق لا يدركه إلا المتذوق الجيد، وهو ما يمكن أن نطلق عليه: تعدد مستويات النص..

وعلى سبيل المثال فقصة الفاركونيت تحوي عددا من الرموز التي تثري العمل؛ فالسيارة الفاركونيت رمز للسلطة الغاشمة.. والرجل ذو السيجارة رمز للظالم غير المكترث، والمدرسة التي لا يفتأ الطفل يرددها رمز للبراءة والطفولة والصدق.. والبناية السكنية ككل هي رمز للمجتمع المغلق الذي ينتظر أفراده السَوْق إلى المذبح.. أما في بيت من لحم فيتجلى الرمز في الدبلة التي أصبحت رمزا داخل العمل لعملية اللقاء المادي بين الرجل والمرأة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mfa65.forumegypt.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 316
نقاط : 604
تاريخ التسجيل : 01/03/2011

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة    بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 12, 2011 1:33 pm

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711110304ezg2yoc7lruqx



مفهوم القصة القصيرة بين آراء النقاد ورؤى المبدعين


على الرغم من أن السرد واحد من أقدم الفنون، فإن هذا لايعني أن كل قصة يقل عدد كلماتها، يمكن أن تكون مثالاً لما عرف فيما بعد بالقصة القصيرة.

القصة القصيرة الحديثة (من ناحية مقارنة) جديدة في الأدب، بل إنها أصغر عمراً من الرواية. لقد تم تأصيلها في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، وبعد خمسين عاماً من ظهورها، بلغت مرحلة النضج في أعمال عدد من الكتاب من أبرزهم موباسان وتشيكوف، ثم ازدهرت بحيث وصلت إلى أكبر قدر من التعبير المكثف الذي عرفته القصة، وتمثل ذلك في أ‘مال عدد من الكتاب المحدثين الكبار في بداية ومنتصف القرن العشرين من أمثال جيمس جويس (1882 – 1941م) وفرانز كافكا (1888- 1923م)، وإرنست هيمنجوي (1898- 1961م) وغيرهم.

إلا أن ثمة إشكالية تتصل بفن القصة القصيرة؛ أصوله ،مفهومه، نظرياته، تقنياته… وهي إشكالية لعلها تبرز في هذا الفن أكثر من أي فن أدبي آخر. وفي الواقعأنه لم تسد نظرية لشكل القصة القصيرة، بل إن معظم سمات هذا الفن جاء بها الممارسون له من الكتاب أمثال فرانك أكونور (1903- 1966م) والناقد المبدع بيتس (1905- 1974م)، وقبل ذلك إدجار ألن بو (1809- 1849م) وموباسان (1850- 1893م) وغير هم.

في البدء يمكن لنا أن نلاحظ أن معظم الكتاب مبدعين ونقاداً يركزون على مسألة السرد والرواية وكأنها التقنية الوحيدة! دون ريب، السرد هو البوابة الرئيسية التي يدلف من خلالها كاتب القصة القصيرة وكذلك الرواية، لكن هناك معالم ودروساً أساسية لاتساعد في رفع المستوى التقني للقصة والرواية فحسب، بل من دونها لاتكون قصة قصيرة إنما تصبح شيئاً آخر.

وليس من الممكن الحديث عن القصة القصيرة بمعزل عن الرواية، فثمة تداخل بينهما. بل إن هناك من يرى أنه من المستحيل تمييز القصة القصيرة من الرواية على أساس معين غاير الطول. إلا أن المشكلة تكمن في أنه لايوجد تحديد لطول أي منهما، فالقصة الطويلة والرواية القصيرة، مفهومات للقصص التي – بسبب طولها- لايمكن تصنيفها على أنها قصة قصيرة أو رواية.

من جانب آخر لايستطيع أحد أن يقول إن القصة القصيرة أكثر وحدة من الرواية؛ فكل منهما يمكن أن تكون ذات وحدة متساوية، كما أن الونيت والملحمة يمكن أن تكونا ذات وحدة متساوية، رغم الفارق الكبير في طوول كل منهما. أيضاً لا يمكن لأحد القول إن القصة القصيرة تتعامل مع شخصيات أقل، أو فترة زمنية أخصر من الرواية، وحيث أن هذه هي الحالة الغالبة، فإن القصة ذات الصفحات المحدودة يمكن أن تتناول عدداً كبيراً من الشخصيات خلال أكثر من عقد من الزمن، في حين أن الرواية الطويلة يمكن أن تقصر نفسها على يوم واحد في حياة ثلاث أو أربع شخصيات.

تلك رؤية لبعض النقاد، لكن براندر ماثيوز أحد المنظرين الأوائل للقصة القصيرة يؤكد قبل قرن من الزمان (1901م) أن القصة القصيرة لايمكن أن تكون جزءاً من رواية، كما أنه لايمكن أن يتوسع فيها كي تشكل رواية. ويؤكد بشكل قاطع بأن القصة القصيرة ليست فصلاً من رواية، أو حتى حادثة أو مشهداً تم استقطاعه من قصة طويلة، لكنها في أحسن أحوالها ما تؤثر في القارئ بحيث إنه يصل إلى قناعة أنها سوف تفسد لو أنها كانت أطول من ذلك، أو لو أنها جاءت على نحو تفصيلي أكبر.

إلا أننا في الأدب العربي نجد عدداً من الكتاب تتداخل قصصهم القصيرة مع أعمالهم الروائية مثل يجيى الطاهر وإبراهيم أصلان ومحمود الورداني. وقد أشار خيري دومة في كتابه (تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة) إلى أن يحيى الطاهر نشر قصصاً قصيرة في مجموعة (الدف والصندوق) ثم أخلها بعد ذلك في سياق روايته (الطوق والأسورة) وينشر إبراهيم أصلان كثيرا من نصوص (وردية ليل) في الدوريات، ثم يعيد تجميعها وإكمالها لينشرها تحت اسم رواية. وينشر محمود الورداني بعض قصصه القصيرة في الدوريات وضمن مجموعاته القصصية، ثم يدخلها بهعد ذلك في سياق روايته (نوبة رجوع).

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711110304ezg2yoc7lruqx


أحد القضايا المهمة التي تتعلق بفن القصة القصيرة تتمثل في النظر إليه ضمن إطار المقدار الكمي للكتابة مع إغفال كافة الجوانب الأخرى. نحن على يقين أن القصة القصيرة هي الابن الشرعي أو بشكل أدق يمكن أن تكن الشقيقة الصغرى لفن الرواية، لكن هذا لايعني بحال من الأحوال أن القصة القصيرة رواية يقل عدد كلماتها.

القصة القصيرة لاتحتمل أن تعالج عدداً من القضايا لعدد من الشخصيات عبر أجيال مختلفة؛ لأنها لو فعلت ذلك فلن تكون سوى سرد لأجداث متتابعة، تخلو من التكثيف اللغوي والمعالجة المركزة. الروائي غالباً ما يتناول شخصيات أكثر، وربما يغطي بشكل تفصيلي فترة زمنية طويلة، ويتناول عدة جوانب من الشخصية الواحدة لكن هذا لايحدث في القصة القصيرة.

ثمة اتفاق أن الروائي وكاتب القصة القصيرة يستخدمان نفس المادة، التي يلتقطانها غالباً من الواقع المعاش الذي يحيط بهما، لكن الاختلاف بينهما إنما يكون في اختيار الصيغة والشكل الأنسب للتعامل مع هذه الأحداث. وهنا يؤكد الطاهر أحمد مكي أنه لاقيمة للزمن هنا. وإذا كان (طول الرواية هو الذي يحدد قالبها، كما أن قالب القصة القصيرة يحدد طولها)، فإن في الوقت نفسه (لايوجد مقياس للطول في القصة القصيرة إلا ذلك المقياس الذي تحدده المادة نفسها، فالروائي قادر على تحويل الثواني إلى دقائق في القراءة، واللحظة إلى تحليلات متأنية) القصة القصيرة تحوي العناصر الأساسية لتقنية الرواية لكنها تأتي بشكل مضغوط ومركز.

حين يأتي عباس محمود العقاد لتعريف القصة القصيرة، نجده يربطها بالرواية لكنه يرى أنها تخالفها. هذه المخالفة – حسب رأيه- لاترجع إلى التفاوت في عدد الصفحات أو السطور أو الإسهاب والإيجاز، وإنما يكون في الموضوع وطريقة التناول.

القصة القصيرة كما يرى فتحي الأبياري، تعالج جانباً واحداً من الحياة يقتصر على حادثة واحدة، لاتستغرق فترة طويلة من الزمن، وإن حدث ذلك فإن القصة تفقد قوامها الطبيعي وتصبح نوعاً من الاختصار للرواية.

من جانب آخر ،هناك ارتباط عكسي من حيث الإبداع، فماثيوز يؤكد في كتابه (فلسفة القصة القصيرة) أن المستوى الكبير الذي تمتاز به الروايةالأمريكية في ذلك الزمن (1901م) يعود الفضل فيه إلى القصة القصيرة، حيث نجد تقريباً أن كل روائي أمريكي تقرأ أعماله من قبل الناطقين بالإنجليزية، قد بدأ ككاتب للقصة القصيرة. وقبل ذلك في سنو 1887م أشار محرر مجلة الناقد إلى كتابة القصة القصيرة والرواية بفوله (كقاعدة يتم إنتاج القصة القصيرة في مرحلة الشباب، في حين أن الرواية إنتاج الخبرة)

وهناك العديد من كتاب القصة الذين حاولوا الهروب من القصة القصيرة، من أبرز هؤلاء تشيكوف (1876 - 1941م) ولعله انتقال أو تطور من كتابة القصة القصيرة إلى الرواية. وفي الثلث الأول من هذا القرن نجد أن عدداً من الكتاب العرب تحولوا من كتابة القصة الصيرة إلى الرواية، ومن هؤلاء أحمد خيري سعيد، ومحمود طاهر لاشين ومحمود تيمور ويحيى حقي… كما يشير إلى ذلك سيد حامد النساج.

أما إنتاج الرواية والقصة القصيرة فقد وجد لدى كثيين من الكتاب العرب الذين لاتتسع لهم القائمة. وفي الجزيرة العربية نجد مثلاً إسماعيل فهد إسماعيل وليلى العثمان ومحمد عبد الولي وزيد مطيع دماج وأمين صالح وعبدالله خليفة وغيرهم.

وحين ننظر لساحتنا المحلية نجد الأمر ذاته قد حدث مبكراً على يد أحمد السباعي مثلاً، وفي فترة لاحقة يبرز إبراهيم الناصر الحميدان الذي نجده في إنتاجه السردي يوازن بين الرواية والقصة القصيرة. ومن كتابنا المحليين من بدأ بالقصة القصيرة ثم اتجه بعد ذلك إلى الرواية مع استمرار إنتاجه للقصة القصيرة، من هؤلاء عبدالله جفري وغالب حمزة أبو الفرج. أما الجيل التالي فنجد منهم عبدالعزيز مشريوعبده خال وحسن النعمي وعبدالعزيز الصقعبي.
بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711110304ezg2yoc7lruqx


في محاولة لإعطاء تعريف للقصة القصيرة كتبت الناقدة الأمريكية برولكس في مقدمة (أفضل قصص أمريكية 1997م) تقول بأن القصة القصيرة شكل أدبي صعب، يتطلب اهتماماً أكبر من الرواية من أجل السيطرة والتوازن. إنها اختيار المبتدئين في عالم الكتابة، تجذبهم بسبب إيجازها ومظهرها الودود (الخادع) للموضوعات المختصرة، أو وظيفتها المدركة كاختبار حقيقي قبل محاولة كتابة الرواية ذات الخمسمائة صفحة. ولعله يجدر التأكيد أن هذا الرأي ليس على ظاهره فهو لايجعل القصة القصيرة محطة عبور فقط، بل إنه يؤكد واقعاً عايشناه ولازلنا في حياتنا الأدبية يتمثل في أن الذين كتبوا الرواية مروراً بالقصة القصيرة أقدر على تملك ناصية الكتابة والتععامل مع التقنيا السردية (ولندع الاستثناءات جانباً) لكننا نؤكد أن القصة القصيرة عالم فني متكامل بذاته ومحطة بقاء داءم لكثير من المبدعين. لكنه خادع بإغرائه، فهو مع فارق الإبداع مثل الشعر ينتسب إليه كثيرون ويبدع فيه قليلون، وهي كالشعر:

صعب وطويل سلّمه

إذا ارتقى فيه الذي لايعلمه

زلت به إلى الحضيض قدمه


لكننا رغم ذلك نؤكد صلة الترابط والأسر السردي بين فني الرواية والقصة القصيرة، ومن النقاد من ينظر إليهما نظرة صراع زمني. فإذا كان القرن التاسع عشر يعتبر قرن الفرواية فإن القرن العشرين دون ريب قرن القصة القصيرة، كما يؤكد ذلك الناقد المغربي نجيب العوفي، في كتابه (مقارنة الواقع في القصة القصيرة المغربية) ويضيف (لقد فقدت الرواية أو كادت تلك الأبهة التقليدية، وذلك الاسترسال النهري الوئيد، وفوجئت بفن جديد مشاغب وآسر، يقاسمها النفوذ ويتخطاها في السباق. بل إن رواية القرن العشرين ذاتها لم تنج من أسر وفتنة هذا الفن الجديد، فإذا بها في أهم نماذدها عبارة عن مونتاج قصصي، أو مجموعة من اللوحات القصصية المتصلة المنفصلة، على غير ذلك المنوال المتلاحم المنسجم الذي نسجت عليه الرواية الكلاسيكية، وهو ما أصبح معروفاً لدى بعض النقاد بـ (الرواية الأبيسودية).

وفي محاولة لتقريب مفوهم القصة القصيرة، يرى بعض النقاد ضرورة اشتمالها على وحدة الموضوع ووحدة الغرض ووحدة الحادثة. فالرواية قد تحطي نظاماً حياً طويلاً ومعقداً ،فتضم السيرة الكاملة لإنسان أو مجموعة من الناس، بل قد تضم جيلين أو ثلاثة، أما القصة القصية فمن المستحيل عليها أن تفعل ذلك.

وإذا كانت الشخصيات في الرواية تبدأ صغيرة ثم تكبر مع الأحداث، وتتحرك من مشهد لآخر، ومن مكان إلى مكان، كما تقول الروائية فرجينا وولف (1882- 1941م)، فإن الأمر يختلف بالنسبة للقصة القصيرة، فالزمن لايتحرك إلا في إطار ضيق جداً، كما أن الشخصيات لاتتحرك كثيراً ولايمكن لهم أن يكبروا في السن.

يشير محمد يوسف نجم في كتابه (القصة) إلى أن الرواية ’’ تصور فترة كاملة من حياة خاصة أو مجموعة من الحيوات‘‘ بينما القصة القصيرة ’’تتناول قطاعاً أو شريحة أو موقفاً من الحياة‘‘ ولذا فإن كاتب القصة القصيرة يتجنب الخوض في تفاصيل الأحداث التي تكون في الرواية، لأنه يعتمد الإيحاء في المقام الأول. وإذا كانت الرواية تعرض لسلسلة من الأحداث الهامة، وفقاً للتدرج التاريخي أو النسق المنطقي فإن القصة القصيرة تبرز صورة واضحة المعالم لقطاع من الحياة من أجل إبراز فكرة معينة. ويضيف إلى أن الفرق الجوهري بين الأقصوصة والقصة (ويعني القصة القصيرة والرواية) أن ’’الأقصوصة تبني على موجة واحدة الإيقاع، بينما تعتمد القصة على سلسلة من الموجات الموقعة، تتوالى في مدها وجزرها، ولكنها أخيراً تنتظم في وحدة كبيرة كاملة‘‘. وهذه عبارات شعرية تؤدي نفس المعنى الذي سبق طرحه من أن القصة القصيرة تركز على حدث واحد، بلغة ورؤية مكثفة، في حين أن الرواية تقوم على سلسلة من الأحداث المتتابعة، وبالتالي يمتد الزمن إلى وقت طويل في الرواية، في حين تكون القصة القصيرة محدودة الزمن جداً.

شكري عياد يؤكد في هذا الإطار أنه (من الجائز أن تمتد أحداث القصيرة على زمان طويل) ويمثل لذلك بواحدة من أشهر قصص موباسان ( الحيلة). أما رشاد رشدي فيبين أن كاتب القصة القصيرة غير معني بسرد تاريخ حياة كاملة لشخصية من الشخصيات أو إلقاء الضوء على أحداث متعددة، أو التركيز على زوايا متعددة للشخصيات والأحداث، فتلك من مهام كاتب الرواية. أما في القصة القصيرة فإن الكاتب يوصور الحدث من زاوية واحدة فقط، ويصور موقفاً محدداً من حياة الفرد. والاستثناءات مهما كثرت رغم قيمتها الأدبية تظل خارج إطار التصور العام .

لو أردنا تقديم تعريفاً للقصة القصيرة فسنجد أن ثمة طرقاً مختلفة، لكن بأي طريقة تم تعريفها، ستبقى بشكل أساسي فن اتصال موجز، بمعنى أن الشكل الأساسي لها أن تكون محدودجة الكلمات، وهذا التعريف في الواقع ينطلق من مفهوم الرواية، ولذلك فإن من أقدم التعريفات للقصة القصيرة ما قدمه مؤصل هذا الفن الشاعر الأمريكي إدجار ألن بو، فهو يعرف القصة القصيرة التي أسماها القصة النثرية بطريق بدائية حيث يرى أنها المروي الذي يمكن أن يقرأ في جلسة واحدة، ورغم بساطة هذا التعبير إلا أنه يخرج من رحم الرواية، التي عادة ماتحتاج إلى فترة أطول في قراءتها.

وقد أثار هذا التعريف بعض النقاد فتساءل وليام سارويان أن مشلكة هذا التعريف تكمن في أن بعض القراء يمكنهم الجلوس فترة أطول من الآخرين، ويأتي ويلز ليعطي تعريفاً زمنياً أكثر تحديداً، فيشير إلى أن القصة القصيرة هي التي يمكن قراءتها في مدة تتراوح بين ربع ساعة وثلاثة أرباع الساعة، ثم يضيف إنها حكاية تجمع بين الحقيقة والخيال، وتتسم بالتشويق والإمتاع، وليس من المهم أن تكون إنسانية أو غير إنسانية، تمتلئ بالأفكار التي تثير القارئ، أو تكون سطحية تنسى بعد قراءتها بلحظات، (المهم أن تربط القارئ لمدة تتراوح بين ربع ساعة وخمسين دقيقة، ربما يثير فيه الشعور بالمتعة والرضا) كما جاء في كتاب فن اغلقصة لحسين القباني.

وفي محاولة لإيجاد تعريف أكثر دقة ضمن إطار الكم، نجد سارويان نفسه في حديثه عن القصة القصيرة يحدد أ، القصة القصيرة ينبغي أن تتراوح كلماتها بين ألفين وخمسمائة كلمة وعشرة آلاف كلمة، فإن قلت عن هذا العدد أصبحت قصة قصيرة جداً، وإن زادت عن ذلك أصبحت قصة قصيرة طويلة، وإن تجاوزت عشرين ألف كلمة أصبحت رواية قصيرة، لكنه بعد ذلك يضيف بأن مثل هذا التحديد، وإن بدا مريحاً لبعض النقاد، فإنه لا معنى له.

وفي نفس الإطار نجد أن ناقداً آخر هو جرويج يحدد بأن طول القصة يجب أن يكون حوالي ثلاثة آلاف كلمة، ويرى بيرنت أنها أقصر من الرواية، لكنها عادة لاتكون أكثر من خمسة عشر ألف كلمة.

وإذا كانت الصحافة لعبت دوراً كبيراً في تقديم القصة القصيرة للقراء وانتشارها على مساحة جغرافية وثقافية واسعة فإنها حولتها إلى فن محكوم بصياغة محددة، بل رفضت عدداً معيناً من الكلمات؛ كي تناسب مساحة محددة قررتها الصحيفة سلفاً. وقد حدث ذلك في فترة مبكرة في عدد من الصحف الغربية، بل إن ثمة تزامناً تقريبياً بين نشأة الصحافة وانتشار القصة القصيرة، وإن كلاً منهما قد خدم الآخر، ففي الوقت الذي نجد أن الصحافة لعبتت دوراً كبيراً في توسيع رقعة قراء القصة القصيرة وزيادة انتشارها على مساحة جغرافية أكبر ومستويات اجتماعية وثقافية مختلفة، فإنها في نفس الوقت فرضت عليها مقداراً كمياً محدداً،نظراً لمحدودية الزوايا والصثفحات، واتخذت الصحافة من القصة القصيرة بدلاً عن الرواية، التي كانت تنشرها مسلسلة، لكنها حين رأت أن القارئ ليس بمقدوره المتابعة اليومية أو الأسبوعية الدائمة تحولت إلى القصة القصيرة حيث وجدت فيها البديل الأفضل المناسب للصحيفة السيارة المقروءة في ذات اليوم.

وفي عالمنا العربي، يؤكد يحيى حقي في (فجر القصة المصرية) أن من أسباب تغلب القصة القصيرة على الرواية في مصر مع بداية القرن أن الجرائد اليومية كانت تمثل الطريق الوحيد للنشر، إذ لم تبدأ مطابع كثير في نشر مجاميع قصصية قصيرة، كما أن الجرائد- على حد تعبير حقي- تفضل نشر قصة كاملة مستوعبة الموضوع من أن تنشر قصة مطولة، فالقصة الطويلة (الرواية) حين يتم نشرها على أجزاء عديدة، سيجد القارئ صعوبة في متابعتها ،ناهيك أنه التزام قد لاتستطيع الجريدة الوفاء به بشكل منتظم.

وظاهرة نشر الروايات مجزأة لم تنته من الصحافة، ولعل القارئ لايزال يذكر رواية إبراهيم شحبي التي كان ينشرها ملحق الجزيرة الثقافي خلال الفترة الماضية، وكذلك رواية عبده خال (عندما ترحل العصافير) التي استمر نشر أجزائها لأسابيع عديدة في جريدة عكاظ، خلال الفترة الماضية، وللمعلومية فإن هذه الرواية صدرت عن دار الساقي بلندن ولكن بعنوان (مدن تأكل العشب) ولعل التسمية الأخيرة تمثل رؤية الناشر.

حين ننتقل إلى مسألة الكم اللفظي في تعريف القصة القصيرة، فإن هناك جوانب أخرى ترتبط بالمفهوم تستحق وقفات طويلة، لكن سنجد أنها تسير على نفس المنوال، من حيث تعدد مفاهيمها بين النقاد.

القصة القصيرة عند نشأتها – مثل بقية الفنون- ظلت متأثرة بنظرية أرسطو في الرتاجيديا التي يرى أنها تمر بالمراحل الثلاث المنطقية؛ البداية والوسط والنهاية، بمعنى أن هناك عملاً كلياًت متكاملاً. وهذا الأمر سرى على بقية الفنون الأدبية فيما بعدتقريباً، وحيث أن القصة القصيرة تلتصق بالفن الروائي فقد انتقل هذا المفهوم إليها.

من أهم أساسيات القصة ماعبر عنها ماثيوس بشكل موجز حيث قال إن القصة القصيرة لاوجود لها إذا لم يكن هناك قصة تحكى، ويؤكد الناقد ويت بيرنيت هذا المعنى في قوله (إني لا أعتقد أنك تستطيع كتابة قصة قصيرة جيدة دون أن يكون في داخلك قصة جيدة … أفضّل أن يكون لديك شيء تقوله من غير تقنيات القصة، عن أن تملك التقنيات وليس لديك شيء تقوله)

والحقيقة أن التأكيد على وجود قصة مسألة متفق عليها تقريباً، لكنها تنبء عن الرؤية الأساسية للقصة في بداية نشأتها، ولعل ماثيوس وهو يؤكد هذا الأساس في القصة القصيرة، يشير بتوقع منه إلى ما ستؤول إليه القصة القصيرة حيث غدت مجموعة من المفاهيم المختلفة، التي من بينها انحرافها من فن القص إلى مسائل تعبيرية كثيرة، ضمن إطار فن التجريب ،وهو أمر تتيحه القصة القصيرة أكثر من أي فن أدبي آخر. هذا الأمر جعل محمد الشنطي يقول (إن القصة القصيرة من أكثر الفنون استعصاء على التنظير والتأطير الشكليين، إلى الحد الذي أدى إلى شيوع القون بأن كل قصة هي تجربة جديدة في التكنيك) ولذلك نجد أن سارويان يرى أن القصة القصيرة هي أكثر النفون الأدبية حرية. هذه الحرية جعلت عدداً من الكتاب يكتب ماشاء كيفما شاء دون الإلتفات لأصول الكتابة الفنية لهذا الشكل الكتابي.

ولعل المتابع للإنتاج القصصي على المستوى المحلي يلاحظ هذا الأمر بوضوح في العديد من المجموعات القصـصية المجبوعة، وعـشرات القصص المنشورة في الصحافة. لقد أصبحت القصة القصيرة فن من لافن له، وأصبحت تقترب من بحر الرجز بالنسبة للشعراء، مع فارق الانضباط الإيقاعي في الرجز، والإنفلات الفني في القصة القصيرة. إن أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ذلك يتمثل في أن هؤلاء الكتاب المشار إليها آنفاً غفلوا عن مسألة هامة جداً، وهي أن الحرية التي يتيحها هذا الشكل، وقد لاتوجد في أي فن آخر، لاتعني بأي حال من الأحوال انفلات هذا الفن من أي قيود كتابية فنية.

ونظراً لعدم وجود تحديد واضح وصارم لمفهوم القصة القصيرة منذ البدء، فإننا رأينا بعض التحولات في صياغة القصة القصيرة قد حدثت في مرحلة مبكرة. فإذا كانت القصة القصيرة كما أسلفنا تسير في تسلسل منطقي تبدأ بمقدمة لحدث يتطور حتى يصل إلى النهاية ضمن حبكة قصصية تحددها قدرة المبدع، فإن تحولاً في كتابة القصة قد حدث على يد واحد من أبرز روادها وهو تشيكوف حيث عمل على إعادة صياغة كتابة للقصة القصيرة، فألغى مقدمة الحدث ونهايته ولم يبق سوى جزء من الحدث دون أن يقود إلى نهاية محددة، فالحبكة بمفهومها التقليدي لم تعد تتوفر في القصة القصيرة. وهذه الظاهرة وجدت في القصة القصيرة في مصر في نهاية السبعينات، حين حدث تحول في كتابة القصة القصيرة في أعقاب حرب 1967م، أشار إلى ذلك مراد مبروك الذي لاحظ بروز ظاهرة تفتيت الحدث واللغة، وتبعثر الحدث في البناء الكلي للقصة، ولم يعد متمركزاً في نقطة معينة.

إضافة إلى ذلك فقد انتفت البداية والنهاية في القصة، وتحولت إلى مجموعة من البنى المتراصة والمتسلسلة تسلسلاً غير منطقي، لكن يوجد بينها الترابطات النفسية ووحدة الشعور. وتمثل هذا النوع من القصص في كتابات إدوار الخراط وإبراهيم عبد المجيد ومجيد طوبيا وغيرهم.

امتداداً للآراء الكثيرة والمختلفة حول مفهوم فن القصة القصيرة تستوقفنا فاليري شو في رأي أكثر مباشرة، حين أشارت إلى معقولية القول بأن تقديم تعريف محدد للقصة القصيرة أمر مستحيل، وتضيف بأنه لاتوجد نظرية يمكن لها أن تشمل الجوانب المتعددة لطبيعة هذا الفن، الذي لايتميز بشيء محدد، سوى ما يبدو أنه يحقق الغرض السردي في مساحة موجزة نسبياً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mfa65.forumegypt.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 316
نقاط : 604
تاريخ التسجيل : 01/03/2011

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة    بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 12, 2011 1:43 pm

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  031711130304dznl1f331lg048ee8lb



الناقد بيتس أحد المبدعين في فن القصة القصيرة خصوصاً في أول حياته، ثم اتجه بعد ذلك إلى الرواية، وقد أصدر مايربو على عشرين مجموعة قصصية وعشرين رواية، تولكن مانحن بحادة إليه ونحن نستعرض بعض مفاهيم القصة القصيرة هو كتابه النقدي الشهير (القصة القصيرة الحديثة 1972م) بعد أن يستعرض بيتس تعريفات مختلفة للقصة القصيرة يصل إلى نتيجة مؤداها أن جميع التعريفات تشترك في مسألة واحدة، وهي أنها جميعاً لاتقود إلى نهاية مقنعة فلا يوجد من بينها مايمكن أن يشمل جميع القصص القصيرة.

وعلى حد تعبير سيدجويك الذي يشير إليه بيتس، فقد أصبحت القصة القصيرة مجموعة أشياء متنوعة، تشمل الحالة والمشهد والشخصية والسرد القصصي، بمعنى أنها مجال لإبراز المواهب الشخصية… إن القصة القصيرة في النهاية، سواء كانت قصيرة أم طويلة، شاعرية أم أخبارية ذات حبكة فنية أملا، متماسكة أم واهية مترهلة، فهي أشبه مايكون بالسائل الذي ينزلق بين اليدين. وبعد أكثر من عقد من الزمن تأتي سوزان لوهافر لتشير أنه يصعب أن تختلف مع بيتس في هذا المفهوم.

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  0317111303594b65x5k5i4bto6


وحين نصل إلى هذه المرحلة من عدم القدرة على تحديدج مفهوم واضح لفن القصة القصيرة نحد بعض النقاد يلجأ إلى طريقة معاكسة من أجل الخروج من مأزق التعريف، فاليري شو مثلاُ تشير أنه من الممكن إعطاء وصف للقصة القصيرة من خلال الإشارة إلى مالايمكن أن يكون قصة قصيرة وبهذه الطريقة ستكون هناك مرونة في تحديدها.

نجد ناقداً آخر هو سومرس يتساءل لماذا نبذل مجهوداص لتعريف القصة؟ علينا أن ندرك أن المقال ليس قصة قصيرة ،ووصف إحدى الشخصيات ليس قصة قصيرة، بل إن الوصف ليس قصة قصيرة، كما أن الحوار ليس بالضرورة أن يكون قصة قصيرة، وتسجيل أحداث كالمذكرات اليومية أو وصف تفصيلي لسفينة غارقة، لايكون قصة قصيرة. هنا يستوقفنا قول سومرس عن الحوار (ليس بالضرورة) وهي إشارة مهمة لأن القصة القصيرة يمكن أن تقوم على الحوار فقط كتقنية وحيدة لكن لايمكن فصله عن مفهوم القصة القصيرة المتعدد.

عباس محمود العقاد في كتابه (خواطر في الفن والقصة) يتبنى نفس المفهوم تقريباً، فبدلاً من تقديم تعريف للقصة القصيرة، يرى أنه من الأسهل تقديم تعريفات سلبية بمعنى معرفة ما لايشترط للقصة القصيرة للوصول إلى شروطها وبالتالي تعريفها بشكل أكثر تحديداً، فالعقاد يرى أنه لايشترك في القصة القصيرة العناية برسم الشخصيات بشكل دقيق، فالقصة القصيرة قد تكتفي بعمل واحد فقط لهذه الشخصية، أو يوم واحد من أيامها، كما أنها لاتتناول حوادث متعددة، ولاحتى تفيض في حادثة واحدة، ولايتوقع أن تطبق مذهباً نفسياً أو اجتماعياً، وأخيراً لاتشترط الحبكة المحكمة في القصة القصيرة.

ويضيف رشاد رشدي إلى هذا المعنى في كتابه الشهير (فن القصة القصيرة) قوله ’’القصة القصيرة ليست مجرد خبر أو مجموعة أخبار، بل هي حدث ينشأ بالضرورة من موقف معين ويتطور بالضرورة إلى نقطة معينة يكتمل بها معنى الحدث‘‘

ومن زاوية الفن الأدبي يتضح أنه بالرغم من ارتباط القصة القصيرة بأصول شعبية فإنها – حسب رأي سوزان لوهافر- تمثل ظاهرة خاصة تختلف عن الرواية وعن الملحمة، ومن ناحية نقدية نحن في ا لواقع أمام شكل فني جديد.

ويعبر ماثيوز عن هذه الرؤية بإشاراته إلى أن الفكرة التي يطورها بشكل منطقي شخص يملك حس الشكل وموهبة الأسلوب هو مانبحث عنه في القصة القصيرة . ولاشك أن توفر الحس الفني والموهبة، كفيل بمستوى متميز من الإبداع.


***************************


بعض التعريفات الحديثة تؤكد أن القصة القصيرة هي التي تهتم بأن تترك أثراً واحداً من خلال التعبير عن مشهد واحد مهم، يشترك فيه عدد قليل من الشخصيات وأحياناً شخصية واحدة، وهذا الشكل يتجه نحو الاختصار في المشهد والتركيز في السرد، ولذلك كما يقول بيرنت غالباً ما يركز كتاب القصة القصيرة في القرنين التاسع عشر والعشرين على شخصية واحدة في مشهد واحد، وبدلاً من تتبع تطور الشخصية يتم التحدث عنها في لحظات محددة.

وبذلك تحقق القصة القصيرة الوحدات الثلاث في المسرح الـكلاسيكي الفـرنسي، وحـدة الحدث ووحدجة الزمان ووحدة المكان. وهنا نجد أن القصة القصيرة كما حدد ذلك براندر ماثيوس بوعي كبير في مرحلة مبكرة جداً من تاريخ القصة القصيرة تتعامل مع شخصية واحدة، وحدث واحد، وإحساس واحد، أو مجموعة أحاسيس تتصل بحالة واحدة.

ويأتي الناقد وليام كيني ليؤكد أن القصة القصيرة عادة ماتقوم على حادثة واحدة تمثل أ÷مية كبيرة للشخصيات. ليلة في الغابة ووصول قاتلين إلى مطعم القرية الصغيرة، مثل هاتين الحادثتين، يمكن أن تكونا نموذجين للقصة القصيرة. ورغم كل هذا تبقى القصة القصيرة ذات تميز في إيقاعها وتكوينها، وهي غالباً ماتعتمد على تركيز الحدث، وقد يكون فيهاحدث مفاجئ، مرض قصير، حفل، لقاء بلا غد، بمعنى أن (تصور فترة زمنية قصيرة في حياة أبطالها، ولكنها فترة مشحونة بلحظات مكثفة،تنبى بإيجاز عن ماضي الشخصية وتخطط لمستقبلها) كما تقول نادية كامل في بحث لها عن (الموباسانية في القصة القصيرة).

وقد أشار عز الدين إسماعيل إلى التركيز في معالجة الحدث وطريقة سرده، وفي الموقف وطريقة تصويره صفة أساسية، ويضيف في كتابه الأدب وفنونه (ويبلغ التركيز إلى حد أنه لاتستخدم لفظة واحدة يمكن الاستغناء عنها، أو يمكن أن يستبدل بها غيرها، فكل لفظة لابد أن تكون موحية، ولها دورها تماماً، كما هو الشأن في الشعر).

إن عدم وجود تعريف محدد، يعود في جزء منه إلى أن القصة القصيرة مثلها مثل باقي الفنون بدأت في الظهور أولاً ثم حاول النقاد إيجاد مجموعة من النظريات لهذا الفن الجديد. ولذا، ليس غريباً أن نجد من النقاد من يقرر أن ليس ثمة تعريف محدد واضح للقصة القصيرة.

ورغم ارتباط القصة القصيرة الوثيق الصلة بفن الرواية، من حيث اشتراكهما في مجموعة من التقنيات، فإنها في فترة متأخرة أصبحت تقترب من الشعر، وأصبحت تقترب من الشعر، وأصبح هناك سؤال مطروح يتمثل في (هل القصة القصيرة أقرب إلى الشعر أم إلى الرواية) وهذا السؤال لم يتم طرحه من قبل النقاد بدءاً ،بل إنه جاء نتيجة لنتاج المبدعين الذين أرغموا النقاد على تحويل أنظارهم،من ارتباط القصة بالرواية، إلى ارتباطها بالشعر، الأمر الذي جعل الناقد يرى أن معظم كتاب القصة القصيرة المحدثين يتفقون على أن القصة القصيرة أقرب إلى العشر منها إلى الرواية.

وعلى المستوى المحلي تم طرح هذا السؤال في مرحلة تاريخية تتمثل في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات حين صدر عدد من المجموعات القصصية التي لاتمثل امتداداً للقصة القصيرة قبل ذلك، وإنما تمثل توجها جديداً في كتابة القصة ينحو منحى الشعر من حيث اللغة والغموض. إضافة إلى الإيقاعات الشعرية في بعض الجمل. وقد لاحظ ذلك أستاذنا الدكتور منصور الحازمي حين تحدث عن هذا الجيل (الذي اقتربت لغته من لغة الشعر) حسب تعبيره. ومن السمات البارزة التي لاحظها علي الدجميني حين قدم مجموعة عبد العزيز مشري (الموت على الماء 1979م) الكم الشعري المتدفق من عباراته، أما في مجموعة محمد علوان (الخبز والصمت 1977م) فنقرأ في قصة يحكى أن، نكتبها شعرياً دون أن نتدخل في النص:

ظلام حالك

أمواج البحر زبد

وغيوم ولآلئ

ورمال صفراء

تحفر قبراً فوق الشاطئ

صياد يغمض عيناً،

والتبغ حلقات من أحلام مدحورة

ضاقت في الصدر

خرجت دخاناً وهباء

بيد معروقة

يجمع صيداً يخذله

ويعود لستة أفواه مبقورة…


والأمثلة كثيرة في هذا الإطار، وهنا يجدر التأكيد على ما أشار إليه خيري دومة، أنه في الوقت الذي تقترب فيه القصة القصيرة من ذاتية الشاعر ورؤيته الشخصية فإنها لايمكن أن تتخلى عن نثيرة الرواية وموضوعيتها.



******************************


في الوقت الذي بدأت القصة القصيرة تأخذ حيزاً في خارطة الآداب الغربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لم يكن للقصة في أدبنا العربي مع مطلع هذا القرن شأن يذكر، بل كان ينظر إليها على أنها مجموعة من الطرائف المسلية، وقد كانت بعض المجلات تنشر القصص المترجمة تحت عنوان (فكاهات) ولعل هذا الانتقاص من قدر القصة هو الذي جعل محمد حسن هيكل مثلاً ،كما يرى بعض النقاد، لم يصرح باسمه حين كتب رواية زينب ترفعاً عن أن يعده أدباء عصره رواية حواديت وفكاهات وهو المحامي ذو القيمة الاجتماعية الراقية.

ونجد إن إحدى المقالات سنة 1930م التي أشار إليها سيد حامد النساج في كتابه (تطور فن القصة القصيرة بمصر) تشير إلى أن (الناس إلى حين قريب، كانوا ينظرون إلى القصة بعين السخرية والازدراء ولايعدونها من الأدب الرفيع شيئاً، بل أغلبهم يظن أنها لهو وعبث).

ولذا فإن الباب الذي دخلت من خلاله القصة القصيرة إلى الأدب العربي لم يكن بالتأكيد الجانب الفني، فحين ننظر إلى بداية القصة القصيرة في مصر مثلاً، نلاحظ أنها كانت تتوجه بشكل مباشر إلى الإصلاح الاجتماعي، وكان الكتاب يسعون نحو تحقيق هدف أخلاقي لايخص مصر فقط، بل ينسحب على كافة الأقطار العربية، في بداية نشأة القصة القصيرة فيها، بصرف النظر عن زمن النشأة، بمعنى أن ا لتجربة ذاتها تتكرر في كل قطر تقريباً، وأكدت معظم الدراسات التي تناولت نشأة القصة في الأدب العربي ’’أنها كانت حاجة اجتماعية قبل أن تكون حاجة فنية، بمعنى أن اضطلاعها بوظيفتها كان أبرز الدوافع إلى كتابتها‘‘ على حد تعبير عبدالله أبو هيف.

أما عبدالله العروي فيرى أن القصة القصيرة ’’هي الشكل الأدبي المطابق لمجتمعنا المفتت، المحروم من أي وعي اجتماعي‘‘ ويضيف نجيب العوفي أن القصة القصيرة جاءت منذ بداية القرن دليلاً على ’’التململ الوطني القومي وعلى الصيرورة الاجتماعية التاريخية، ومؤشراً ثقفاياً بالغ الدلالة على مايسمى النهضة أو المعاصرة أو الحداثة‘‘. ومن منطلق مقولة تشيكوف بأن القصة القصيرة كذبة متفق عليها بين القاص والمتلقي، يعلق العوفي بقوله ’’أصبحت الكذبة الفنية الصغيرة أداة لهتك الأكاذيب الكبيرة التي تخنق الضمير العربي، وتعريه لهذا المسكوت عنه، الذي هو الحقيقة‘‘.

*************************



وحين نبحث عن أصول عربية للقصة القصيرة، نجد في تراثنا الكثير مما يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على تطور فن القصة القصيرة، إلا أننا لانظفر برؤية واضحة تقرر أن القصة القصيرة امتداد لشكل، أو أشكال تراثية في أدبنا العربي، رغم بعض الآراء التي ترى أنها ترتبط بفن المقامة، فب الوقت ذاته نجد مايؤكد أنها تأثرت بشكل مباشر بالثقافة الغربية من خلال مبديها الأوائل، فالطاهر أحمد مكي مثلاً، يقرر دون تردد بأن القصة القصيرة لم تنشأ من أصل عربي ’’وإنما ترعرعت بتأثير من الأدب الأوربي مباشرة‘‘ وتؤكد آمال فريد أن هذا الأمر ’’لم يعد موضع جدال؛ فإلى جانب إجماع النقاد والدارسين على ذلك نجد أن جيل رواد القصة القصيرة أمثال محمود تيمور ويحيى حقي ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس… هذا الجيل لاينكر فضل إدجار ألن بو أو موباسان عليه. ولقد كان محمود تيمور رائد القصة القصيرة، يفخر عندما أطلق عليه النقاد (موباسان القصة العربية).

ويشير فتحي الأبياري إلى أنه حين انضم محمود تيمور إلى مجمع اللغة العربية رحب به طه حسين وأشاد بفنه القصصي قائلاً ’’لقد سجلت به لنفسك خلوداً في تاريخ الأدب العربي لاسبيل إلى أن يمحى، هو القصص على مذهبه الحديث في العالم الغربي‘‘، وإذا كان هذا في المشرق العربي، فإننا نجد أن المحاولات الأولى لكتابة القصة القصيرة في المغرب أيضاً، بدأت بعد الحرب العالمية الأولى، وكان الباعث عليها كما يقول عبدالله كنون ’’قراءة بعض المترجمات منها، أو الاطلاع عليها في لغتها الأصلية بالنسبة لمن يحسنون لغة أجنبية‘‘ ويصل أحمد هيكل إلى نتيجة يؤكد معها ’’أن القصة القصيرة بصورتها الفنية في الأدب الحديث قد أخذت عن أدب الغرب، ولم تنحدر من التراث أو تتطور عن فن عربي مشابه‘‘ كما جاء في كتابه (الأدب القصصي والمسرحي في مصر).

*****************************


خلال الصفحات السابقة تم استعراض مجموعة من الآراء التي تؤكد أن القصة القصيرة في الأدرب العربي لم تكن امتداداً لأشكال عربية تراثية، بل إنها جاءت بتأثير مباشر من الآداب الغربية. وعندما نصل إلى نتيجة كهذه، فإن مفهوم القصة القصيرة في الأدب العربي قد تأثر بشك لكبير بمفهومها في الآداب الغربية أيضاً. وفوق ذلك يمكن ملاحظة أن القصة القصيرة في أدبنا العربي تأثرت بشكل مباشر بتلك التيارات الفنية التي مرت بها القصة الغربية.

وقد شهدت فترة الستينات وبداية السبعينات تحولاً في مسيرة القصة القصيرة العربية، وتحديداً في مصر من حيث الاهتمام بهذا الفن، وفي تفسير سوسيولوجي يعلل سمير حجازي (فصول 4:2) هذه الظاهرة بأنها تأتي نتيجة ’’الأزمات الثقافية والتحولات الاجتماعية غير المحتملة‘‘ التي أدت إلى إحساس الكاتب بالاغتراب، الذي أوجد نوعاً من التوتر النفسي، مما جعله يتخذ من القصة القصيرة وسيلة للتعبير؛ لأنها تتميز ببعض الخصائص الفنية، فهي تقوم على ’’تصوير موقف معين من زاوية معينة، بطريقة تميل إلى الانكماش، وتعتمد على الجمل الوصفية الدقيقة‘‘ التي تصور ’’الواقع الداخلي والخارجي بطريقة تهمل عنصر الزمن وتسلسل الحوادث، والكاتب يصور لنا هذا الموقف بلغة الشاعر المرهف‘‘.

ولعل هذا الرأي يقترب إلى حد كبير من واقع القصة القصيرة في عدد من البلدان العربية مع اختلاف نسبي في الفترة الزمنية التي تمر بها، لكنها غالباً حدثت بين عقدي الستينات والسبعينات، التي امتازت بانطلاقة فنية جديدة للقصة القصيرة لم تتكئ كثيراً على التراث القصصي في مرحلة سابقة، بل نجد أننا أمام تحول جديد في كتابة القصة يأخذ زوايا واتجاهات متعددة تختلف من كاتب لآخر، من ناحيتي المعالجة والقالب الفني. وهو تحول يرتبط بالتحول الاجتماعي الذي طرأ، ومن الطبيعي أن يكون الفن السردي وتحديداً القصة القصيرة الوسيلة الأفضل للتعبير عن هذه التحولات، لأنها ذات إيقاع سريع ومتجدد.

وحين النظر إلى القصة المحلية، نجد أن تحولاً بارزاً حدث للقصة القصيرة مع ظهور جيل جديد مبدع لهذا الفن، حدث ذلك ابتداء من منتصف وبداية الثمانينات، وهو جيل لايمثل امتداداً للجيل السابق، ولم يتأثر به، بل كان تأثره المباشر بالكتاب العرب خارج الوطن. ومن أبرز هؤلاء وهم من جيل واحد تقريباً جار الله الحميد وعبد العزيز مشري ومحمد علوان وحسين علي حسين، فإبراهيم الناصر وغالب حمزة أبو الفرج ومحمود عيسى المشهدي، لايمثلون أي حضور في قصص الجيل الجديد. ويلخص الدكتور منصور الحازمي تجربة هذا الجيل بقوله ’’لقد اختلفت القصة القصيرة على أيدي هؤلاء الشباب اختلافاً كبيراً عما كانت عليه عند أسلافهم من الواقعيين، لم تعد تعني بالبيئة المادية أو الواقع الحسي، بل باللحظات الشعورية والمواقف النفسية ا لمتوترة، ولم تعد تهتم بالمشاكل الاجتماعية اهتماماً مباشراً، بل بما قد تعكسه هذه المشاكل من أحاسيس ذاتية غامضة، لاتبحث عن حل معين وإن كانت تومئ إليه أحياناً‘‘وهذا يعني بشكل مباشرأن مفهوم القصة القصيرة لدى هؤلاء قد اختلف تماماً عن ذلك المفهوم الذي تبناه أسلافهم.

ولعله يجدر الاحتراز والإضافة ونحن نتحدث عن القصة المحلية بالقول إن ماذكر آنفاً ينطبق على مجموعة من الكتاب، لكننا نجد في ذات الوقت مجموعة منت الكتاب الآخرين من نفس الجيل يمكن أن نعتبرهم امتداداً للجيل السابق من أمثال محمد منصور الشقحاء وعبدالله باقازي وعبد الله سعيد جمعان وخليل الفزيع. وهذا القول يصدق على المجموعات الأولى لكلا الفريقين (بما في ذلك رأي الحازمي السابق) وإلا فإننا وجدنا بعد ذلك تغيراً أو تحولاً في الإنتاج التالي لمعظم هؤلاء، ولعل عبدالعزيز مشري رحمه الله أبرز المثلة وضوحاً في هذا الإطار، وتعدد المفاهيم لدى الكتاب يمكن استخلاصه من المستويات الفنية المتفاوتة لقصص المجموعة الواحدة لكاتب بعينه. الأمر الذي يتضح منه في غال الحوال عدم تبلور مفهوم محدد للقصة القصيرة في ذهن الكاتب ضمن إطار مرحلة معينة. نقول ذلك لإدراكنا أن ثمة تحولات في المفاهيم تحدث لبعض الكتاب من مرحلة إلى أخرى.

من الملاحظ أن كتاب القصة في عالمنا العربي بشكل عام يعتمدون في كتابتهم على الخبرة الكتابية والقرائية لفن القصة من خلال من سبقهم من الكتاب، وعلى ضوء ذلك يتحدد لديهم مفهوم أو مفاهيم القصة القصيرة، لكن ماهي حصيلتهم النظرية في هذا الفن وتقنياته ومناهجه؟ سؤال جدير بأن يطرح على المبدعين، وإن كان متوقعاً أن معظم الإجابات ستكون نافية لقراءة مكثفة واعية للنظرية القصصية وتقنيتها خصوصاً في بداية مرحلة الكتابة. ليس هذا افتراضاً بل نتيجة تستنيد بشكل أساسي، على التفاوت الكبير في مستويات الكتابة القصصية لدى الكثير من الكتاب في أرجاء الوطن العربي. ولتأكيد ذلك تجد الإشارة إلى استجواب نشرته مجلة فصول مع ثمانية وعشرين كاتباً للقصة القصيرة في العالم العربي، طرحت عليهم العديد من الأسئلة وكان من بينها السؤال التالي ’’هل قرأت شيئاً عن أصول هذا الفن القصصي، أو عن طرائق كتابته؟‘‘

الملفت للنظر، أن أغلب هؤلاء الكتاب أجابوا بالنفي! ومن بينهم أسماء كبيرة في عالم القصة أمثال إبراهيم أصلان ومجيد طوبيا ونجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف إدريس، فإبراهيم أصلان يقول ’’لا أظن أن هناك كتباً قرأتها بتأن في هذا الموضوع‘‘، ومجيد طوبيا يقرر ’’لم أقرأ شيئاً عن أصول هذا الفن القصصي أو عن طرائق كتابته، قبل الممارسة الواعية للكتابة‘‘ أما نجيب محفوظ فيجيب عن السؤال بقوله ’’خلاف ماقرأت عن فن الرواية، لم أقرأ إلا القليل عن فن القصة القصيرة بل وقرأته في سن متأخرة‘‘ ويقول يحيى حقي ’’في أول الأمر لم أقرأ شيئاً عن أصول هذا الفن القصصي، لكن عندما تقدمت قليلاً وكأي إنسان يحترم نفسه، قرأـ‘‘ ويأتي يوسف إدريس وهو الأكثر التصاقاً بالقصة القصيرة ليقول بصرامة وصراحة ’’لا، لم أقرأ، إن ماأعرفه بالحس والسليقة والفطرة أجدى مما يمكن أن أقرأه في هذا المجال‘‘

وربما لو طرح هذا السؤال على عدد أكبر من كتاب القصة القصيرة في سائر الوطن العربي، لجاءت الإجابات متشابهة، وهذا مادعا ماهر فهمي أن يقرر في حديث عن بعض كتاب القصة، أن الكثيرين منهم ’’لديهم رسالة عامة، ويعرفون أن القصة وسيلة لإيصال هذه الرسالة… لكن قوانين كتابة القصة القصيرة والتركيبات النفسية والفكرية ولحظات تخلقها في النفس البشرية تبقى نادرة‘‘

ولاأتوقع أن كتاب وكاتبات القصة المحليين سيكونون بمنأى عن هذه النتيجة، وهذا ماأكده شفوياً بعض كتاب القصة، وفي لقاء صحفي قال سباعي عثمان ’’في دنيا الأدب (وهي صفحات ثقافية كان يشرف عليها) اكتشفت موهبة القصة في نفسي، وكان ذلك بالصدفة من خلال زاوية يومية كنا نتبادلها أنا والزملاء في جريدة المدينة‘‘ ولعل سباعي عثمان ليس الوحيد، الذي وجد نفسه يكتب قصة دون وعي كامل بفن القصة ومفهومه وتقنياته.

وكم أتمنى أن أقوم باستبيان على المستوى المحلي، يشترك فيه أكبر عدد ممكن من المبدعين والمبدعات يتفضلون فيه بالإجابة على أسئلة عامة حول تجربتهم القصصية بشكل خاص، ورؤاهم حول فن القصة القصيرة، فهذا دون ريب سيقود إلى نتائج تخص الإبداع المحلي.

ولعل سؤالاً يتم طرحه في هذا الإطار، يتصل بالعلاقة المباشرة بين الإبداع وبين دراية المبدع بمفاهيم الفن الذي يبدعه! وبطريقة أخرى ’’ماذا سيفيد تحديدج مفهوم القصة القصيرة بالنسبة للمبدع؟‘‘ وهو سؤال طرحه جريدي المنصوري عقب محاضرة لي في نادي الطائف الأدبي حول مفهوم القصة القصيرة، وهذا السؤال يتركز حول العملية الإبداعية نفسها، وهنا يجدر التأكيد على مسألتين أساسيتين، الأولى تتمثل في أن الدراية النظرية وحدها لن تخلق مبدعاً أو إبداعاً، والثانية أن الكاتب الذي يظل أسيراً للتنظير الإبداعي لن ينتج إبداعاً. إن المبدع يجب أن لاتحده قيود نظرية، ويتوقع منه أن يكون (أكبر من العروض) وفوق تحديد مسالك ودروب الفن. إلا أن ثقافة المبدع بشكل عام تؤثر في إبداعه، ومعرفته بأساليب ونظريات وتقنيات فنه الإبداعي، ستزيد دون ريب من معرفة دهاليز فنه وخباياه وبالتالي تملك ناصيته. وهذا ينتج عنه مزيد من الإبداع.

في إطار البحث عن مفهوم القصة القصيرة، تستوقفنا قضية المصطلح باعتبار دلالته، التي تنبع من المفهوم، ومن الملفت للنظر جداً أن هذه القضية لاتؤرق الباحثين في هذا المجال، فالكتب الأولى التي درست القصة القصيرة في الأدب العربي لم تطرح بدءاً قضية المصطلح، منها دراسة عبدالعزيز عبد المجيد (القصة القصيرة العربية الحديثة) ودراسة محمود حامد شوكت (الفن القصصي في الأدب المصري الحديث) ودجراسة سيد حامد النساج (تطور فن القصة القصيرة في مصر منسنة 1910 إلى سنة 1933م) وهذه الدراسات الثلاث رسائل دكتوراه. إضافة إلى كتاب يحيى حقي (فجر القصة المصرية) وكتاب عباس خضر (القصة القصيرة في مصر منذ نشأتها حتى سنة 1930م)

وبالرغم من صدور عشرات الكتب التي تتناول القصة القصيرة بشكل تاريخي، أو دراسة اتجاهاتها العامة، أو دراسات لمبدعين بشكل انفرادي، نجد أنها غالباً لاتقف عند قضية المصطلح. من هذه الكتب مثلاً حسن البنداري (فن القصة القصيرة عند نجيب محفوظ 1988م) إيفلين فريد جورج يارد (نجيب محفوظ والقصة القصيرة 1988م) عبد الحميد عبد العظيم القط (يوسف إدريس والفن القصصي 1980م)، وقد استخدم القط في كتابه مصطلحات (القصة القصيرة والأقصوصة والقصة القصيرة الطويلة) دون تحديد نقدي لهذه المفاهيم. ويرى الدكتور حسام الخطيب أن عدم تحديد المصطلح برزت معه ’’صعوبة تحديد تاريخ دقيق لنشأة القصة العربية الحديثة‘‘.

ورغم أننا لانجد تعدداً كبيراً في مصطلحات القصة القصيرة، فإننا لانجد في أدبنا العربي اتفاقاً على مصطلح واحد لهذا الفن، فالعقاد مثلاً في كتابه (خواطر في الفن والقصة) يستخدم مصطلح (الحكاية القصيرة) أو (الحكاية النادرة)، وهذه حسب رأيه تقابل (short story) ،كما يستخدم مصطلح (القصة الصغيرة) لنفس المفهوم، وقبل ذلك نجد يحيى حقي في (فجر القصة المصرية) يتراوح بين استخدام مصطلحي (القصة الصغيرة) و (القصة القصيرة) أما محمد يوسف نجم في (فن القصة) فيستخدم مصطلح (الأقصوصة) ويشاركه في ذلك فتحي الأبياري، دون وقفة نقدية لسبب اختيارهما لهذا المصطلح، رغم أن الأبياري كان على وعي بهذا الاستخدام، ح يث أشار في دراسته عن تيمور، إلى أن الأقصوصة هو مايسمونه باللغة الإنجليزيةshort story وباللغة الفرنسية conte. أما محمد الهادي العامري فرغم أن دراسته جاءت بعنوان (القصة التونسية القصيرة) فإنه يستخدم مصطلحات (القصة القصيرة والأقصوصة والقصة) لتشيرة إلى مفهوم واحد. وفي دراسة حمزة بوقري للقصة القصيرة في مصر، نجده يستخدم مصطلح (الأقصوصة والقصة القصيرة) بشكل تبادلي لنفس المعنى.

يقف صبري حافظ وقفة أطول عند قضية المصطلح (فصول4:2) فيشير إلى تذبذب الدارسين بين استعمال مصطلحي (الأقصوصة والقصة القصيرة) للدلالة على المصطلحين الإنجليزي والفرنسي. ويؤثر صبري حافظ مصطلح الأقصوصة، لأسباب منها إيجازه، وإمكانية اشتقاق صفة أقصوصي منه. إضافة إلى أن مصطلح القصة القصيرة على حد تعبيره، ’’يحمل ميسم الترجمة الواضحة من الإنجليزية التي تفتقر إلى صيغ التصغير. ومن هنا تحتاج إلى كلمتين حيث تكتفي العربية بكلمة واحدة. ولن هذا المصطلح كلمة واحدة في الفرنسية وأخرى في الألمانية Kurzgeschichten وإن كانت مركبة …فلماذا يصر الكثيرون على استخدام الترجمة الحرفية للإصطلاح افنجليزي؟‘‘

ورغم شرعية مايطرحه الناقد صبري حافظ، فإنه لايمكن النظر إلى قضية هذا المصطلح بمعزل عن المصطلحات الأخرى، المتعلقة بفن السرد الحديث.

ولعله من الضروري أن تكون معالجة المصطلح ضمن إطار جمعي للمصطلحات المتعلقة بالفن الأدبي الواحد، فما يبدو مقنعاً حين التعامل معه على انفراد قد لايبدو كذلك حين يتداخل مع مجموعة من المصطلحات الأخرى. إلا أنه بالرغم من ذلك فإن مصطلح (القصة القصيرة) قد أخذ من الشهرة والتداول بين النقاد والمبدعين ما جعله جديراً بالتبني. أما مصطلح الأقصوصة فإني أميل إلى استخدامه مقابلاً لمصطلح Novella، متفقاً في ذلك مع مجدي وهبة، وسعيد علوش حسبما جاء في معجم كل منهما. وهو العمل الأدبي الذي يقع بين الرواية Novel والقصة القصيرة، ويمكن اعتبار (قنديل أم هاشم) مثالاً له.

********************************
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mfa65.forumegypt.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 316
نقاط : 604
تاريخ التسجيل : 01/03/2011

بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة    بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة  I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 12, 2011 1:52 pm



الفرق بين القصة القصيرة والرواية

الفرق بين القصة القصيرة والرواية يكمن في الموضوع الحي المعروض في صورة عضوية متفاعلة الأجزاء , متكاملة العناصر , والموضوع الجامد الذي يغلب عليه الطابع التجريدي والتلخيص , فالقصة القصيرة من الممكن أن تجتاز بالقارئ فترة زمنية طويلة , كما تصنع الرواية , ولكن الفرق هنا يكمن في طريقة العرض , فالتفصيلات والجزئيات التي تملأ كل يوم وكل ساعة في تلك الفترة
الزمنية لا حاجة لكاتب القصة القصيرة بها , بل أنه يجتاز كل شيء لينتقل مباشرة من لمسة من لمساته للموضوع إلى أخرى , مجتازاً بذلك من الزمن فترة قد تطول وقد تقصر .

*******************


القصة القصيرة تُفضل أقل عدد ممكن من الشخصيات , خلافاُ للقصة والرواية حيث تكثر الأشخاص , فلبس في القصة القصيرة فرصة لرسم هذا العدد الكبير من الشخصيات , ولأن القصة ذاتها لم تنشأ لتحليل عدد كبير من الشخصيات , ومع ذلك من الممكن أن تكثر الشخصيات في القصة القصيرة , ولكنها لا بد أن تكون في مجموعها وحدة أي يجمعها غرض واحد . كل هذا يجعل صفة " التركيز " أساسية في القصة القصيرة , فهي أساسية في الموضوع , الحادثة , طريقة السرد , أو في الموقف وطريقة تصويره أي في لغتها .

من المهم الإشارة إلى تأثير هذا النوع الأدبي على الساحة العربية التي حاولت أن تعبر عن اتجاهات تجريبية جديدة في التعامل مع اللغة وفي محاولة استلهام الحلم والكابوس واللاوعي وحالات الجنون والقبح والابتذال واللامنطق وتحول الإنسان إلى شيء يتم التعبير عنه بشكل بارد ومحايد ومحدد أو تحوله إلى كائن مغاير ومختلف يتحرك بكل حرية في آفاق الحلم والأسطورة والخيال , هذه الاتجاهات المختلفة الحديثة تشير إلى قدرة القصة القصيرة الفائقة غلى التعبير عن كل ما يتعلق بالإنسان في علاقته بذاته , بالآخرين وبالواقع وبالحياة وبالكون بشكل يتسم بالعمق والتركيز إذا توفر عليه كاتب صادق , مخلص وموهوب , فالقصة القصيرة ليست أقل من أي نوع أدبي آخر في قدرتها على الإحاطة بجوانب هذا العالم إذا انكب عليها مبدع حساس دقيق الملاحظة وعميق الخيال .

***************************



القصه القصيرة....( عناصرها و شروطها)..

يخلط بعض الكتاب بين القصة والقصة القصيرة، وهذا الخلط ناجم في الغالب من الدلالة اللفظية لكلا المصطلحين، وحقيقة الأمر أن القصة بمعناها المطلق تشمل كل الألوان السردية والحكائية وهي ذات جذور متوغلة في عمق تاريخ الأدب العربي، ومنها القصص الـواردة في القرآن الكريم مثل قصص الأنبياء والأقوام والأمم، وكذلك الأساطير الشعبية والحكايات المستمدة من التراث، وهي تشكل رصيداً ضخماً من الإبداع المرتبط بتاريخ الأمة عبر الزمن، لكن القصة القصيرة بمفهومها الحديث فن وافد إلى الأدب العربي المعاصر من الغرب والشرق.
ولا يبرر هذا الخلط بين القصة والقصة القصيرة ما تشهده ساحة الإبداع الأدبي من فوضى نتيجة تداخل الأجناس الأدبية على أيدي المغرمين بتقليد أدباء الغرب، حتى أصبحنا نقرأ ما يسمى شعراً ما ليس له علاقة بالشعر، أو نقرأ قصة ما ليس له علاقة بالقصة، كل ذلك بحجة التجديد، وما هو سوى تقليد أعمى يتجاهل الذائقة الفنية للقارئ العربي الذي تربى على تلقي ألوان أدبية شكلت ذائقته الفنية بل وساهمت في تشكيل شخصيته العامة، وهي ألوان قابلة للتجديد وفق السياق العام للتطور الذي تشهده الحياة في المجتمع العربي المسلم، لا وفق ما يراه الآخرون.


قواعد صارمه:

إن الأدب العربي عبر تاريخه الطويل يحمـل كمـاً هـائلاً من القصص التي لا يمكن أن ينطبق عليها مصطلح القصة القصيرة، رغم أن هذا اللون الأدبي ـ أي القصة القصيرة ـ هو أكثر الألوان الأدبية قابلية للتطوير والتجديد، وهذا ما تؤكده النماذج القصصية الجديدة التي بدأت في التخلي عن تلك القواعد الصارمة التي وضعها كتّاب القصة القصيرة الأوائل، أو التي استنتجها النقاد من كتابات أولئك الرواد. وبصرف النظر عن مدى تقبل المتلقي للنصوص القصصية الجديدة، فإن على المبدعين التعامل بحذر مع النص قبل الإقدام على مغامرة التجريب، حتى لا يتخلى النص القصصي نهائياً عن كـل مقومات القصـة القصيرة.. ليصبح لونـاً أدبياً آخر يمكن تصنيفه في أي ( خانة ) من ( خانات ) الأدب باستثناء القصة القصيرة.


فن جديد:

وكما قلنا: يعتبر فن القصة القصيرة من الفنون الأدبية الحديثة، التي عرفها الأدب العربي في هذا العصر، وإن كان هناك من يرجع جذورها الأولى إلى بعض الفنون الأدبية القديمة، لأنها تشترك معها في بعض الملامح، لكن حقيقة الأمر أن القصة القصيرة بشروطها الفنية المعروفة هي فن جديد، ليس في الأدب العربي فقط، ولكن حتى في الآداب الغربية الأخرى، إذ لم يظهر هذا الفن إلا منذ حوالي قرن تقريباً وفي هذا المعنى يقول الدكتور عزالدين إسماعيل : ( وأما القصة القصيرة فهي حديثة العهد في الظهور، وربما أصبحت في القرن العشرين أكثر الأنواع الأدبية رواجاً، وقد ساعد على ذلك طبيعتها والعوامل الخارجية.
عصر السرعة:

أما من حيث طبيعتها فقد أغرت كثيراً من الشبان بكتابتها رغم أنها في الحقيقة أصعب أنواع القصص، ولذلك يخفق 70% على الأقل في كتابتها. وأما من حيث العوامل الخارجية، فقد تميز عصرنا بالآلية والسرعة، ومئات الصحف والمجلات تحتاج كل يوم لمئات القصص وهي بحكم الحيز والناحية الاقتصادية تفضل القصة القصيرة، ثم يذكر من هذه العوامل الإذاعة أيضاً، والناس الذين سيطرت على حياتهم السرعة في كل شيء حتى فيما يختارون للقراءة، فوجدوا في القصة القصيرة ضالتهم، لأنها تلائم روح العصر بكل تناقضاته وإشكالاته المختلفة. ثم إن (القصة القصيرة لا تزدهر مع حياة الخمول، بل تزدهر مع حياة المعاناة، لأنها تتخذ الومضة النفسية أو الحضارية للمجتمع والإنسان محوراً لها تعالجه وتهتم به، وما اهتمامها بالإنسان إلا اهتمام بالطبقات المسحوقة بشكل خاص).
وفي هذا العصر يعيش الإنسان أقسى أنواع المعاناة، وأشدها وطأة على النفس، وفي مثل هذه الظروف تزدهر القصة القصيرة.....


معطف جوجول

ويمكن القـول أن القصة القصيرة ظهرت في وقت واحد في بلدين متباعدين، وعلى أيدي اثنين لم يتفقا على ذلك هما إدجار ألن بو 1809 ـ 1840 في أمريكا، وجوجول 1809 ـ 1852 في روسيا، وقد قال مكسيم جوركي عن جوجول (لقد خرجنا من معطف جوجول) (3) وهو بهذا وضع تحديداً مبدئياً لتاريخ القصة القصيرة في الآداب العالمية، إلى أن جاء جي دي موباسان 1850 ـ 1892 في فرنسا ليقول عنه هولبروك جاكسان: (إن القصة القصيرة هي موباسان، وموباسان هو القصة القصيرة)....

مقدمة وعقدة:

وهناك شـروط للقصـة القصيرة هي المقدمة والعقدة والحل أو لحظة التنوير، كما أن للقصة عناصر تقليدية أيضاً هي الشخصية والحدث والبيئة ـ الزمان والمكان ـ لكن هذه الشروط أو العناصر لم تعد تشغل بال كتاب القصة الحديثة، إذ تجاوزها الكثيرون ممن يحاولون التجريب فهم يرون أنها (سير نحو هدف ما، ومن معاني السير البحث، ولا سيما البحث عن الوجود، والقصة هي أحسن مثال لهذا اللون من البحث، وهذا السير هو في الحقيقة مجهول، مغامرة منغلقة الأسرار، حركية دائمة ديمومة متدحرجة، وعلاقة القصاص بهذا اللون من البحث غريبة. إذ أن القصة تتبع من نفسه، فيتحملها عند كتابتها ومعايشتها، حتى تتمكن من تقرير مصيرها بنفسها فنياً.
أما القصة التقليدية فهي السـكون والقـرار، إذ هي مشـروحة جـاهزة، مضبوطة الأهـداف.. منطقية قدرية " عاقلة " يصبها باعثها في قالب جامد مجتر ).
وهذا الكلام لا يؤخذ على علاته، فالعملية الإبداعية لا تقتصر في نجاحها على أساليب دون غيرها، سواء كانت هذه الأساليب تقليدية أو تجريبية، فإذا توفر الصدق الفني إلى جانب إشراقة الأسلوب وقدرته على تفجير الأسئلة في ضمير المتلقي، يمكن الحكم للعمل الإبداعي لا عليه. فما الفائدة في أن يقدم على التجريب من لا يملك الأدوات الفنية التي تؤهله لذلك، إن العملية الإبداعية في هذه الحالة لا تتعرض للتجريب بل للتخريب.

شروط غير ملزمة:

ومع ذلك فإن شروط القصة القصيرة لم تعد ملزمة، لأنها شروط قابلة للنقض، كغيرها من الشروط العامة التي تخضع حين تنفيذها لظروف مختلفة عن تلك التي كانت حين فرضها. وهي قابلة للتجاوز حسب درجة الوعي التي يتمتع بها المبدع.. ذلك الوعي الذي لا يتيح للمتلقي فرصة الوقوف والسؤال عن لماذا تم تجاوز هذا الشرط أو ذاك. فهو أمام عمل إبداعي متكامل، تم تشكيله وفق رؤية جديدة ومتطورة لا يملك المتلقي حيالها إلا الإعجاب. لكن إذا أمكننا أن نتخلى عن بعض أو كل شروط القصة القصيرة، فكيف لنا أن نتخلى عن كل أو بعض عناصرها ؟. إن هذا التخلي عن هذه العناصر يحيل الكتابة إلى لون أدبي آخر غير القصة. قد يندرج تحت مسمى الخاطرة أو الكتابات الوجدانية أو أي لون أدبي آخر غير القصة، وهذا لا يعني أن هذه العناصر جامدة ولا تقبل التطوير. وأول هذه العناصر الشخصية القصصية:

أولا- الشخصية:

كنا إلى وقت قريب نقرأ الشخصية القصصية فنجدها صدى لكاتبها، إذ أن ثمة علاقة تشبه التوحد بين المبدع وشخصياته القصصية، وهذا التوحد وإن كان يلقي الضوء على المبدع وفكره، إلا أنه يحول بين الشخصية وممارسة تصرفاتها الطبيعية، وفق الدوافع والأجواء التي وجدت فيها، وعندما يطـل المبدع بفكره من خلال شخصياته القصصية، فإن هـذا يكرس النمطية التي تتكرر بشكل أو بآخر، وتلقي بظلالها على ما يأتي بعدها.
لكننا مع تقدم التقنية القصصية، نتيجة فسـح المجال أمام التجارب الجديدة.. أصبحنا نقرأ نماذج متعددة من تلك الشخصيات، لا تظهر فيها سيطرة الكاتب وتحكمه في مصيرها، وأصبح سلوكها مرهون الخطوات بالظروف والعوامل والأجواء التي وجدت بها، دون الشعور بأن الكاتب هو المتصرف بشؤونها، والمتحكم في تصرفاتها والمقرر لمصائرها، وهذا لا يلغي العلاقة بين المبدع والنص، ولكنه يجعل هذه العلاقة متوازنة ومحكومة بضوابط خفية يعرفها المدركون للإشكاليات المتعلقة بالإبداع أو التلقي.


الإبداع والنص:

وحين الحديث عن العلاقة بين المبدع والنص علينا ألا نتجاهل أهمية التجارب الذاتية في إثراء العمل الإبداعي، وهذه التجـارب لا تبرر للمبدع فرض رأيه وفكره فيما يتعارض مع قدرة شخصيته القصصية على استيعاب وتمثل هذا الرأي أو الفكر، لأن العديد من العوامـل هي التي تحـدد هذه القـدرة على الاستيعاب والتمثل، وبغياب هذه العوامل تصبح تلك القدرة مفقودة، والتناقض واضحاً بين الشخصية وسلوكها المحتمل والمتوقع. إن إدراك توازن العلاقة بني المبدع والنص يقودنا إلى شيء من التسليم بأن هذه العلاقة طبيعية وغير متنافرة، إذا تقيدت بتلك الضوابط الخفية التي أشرنا إليها آنفاً. أما القول بانعدام العلاقة بين المبدع والنص، كما يزعم المنادون بموت المؤلف، فإنه قول يتجاهل مجمل المعطيات التي تحيل النص من مجرد فكرة هلامية، إلى كائن يتنامى حتى يبلغ أوج نضجه. وهكذا يكون الحال بالنسبة للجزئيات التي يتكـون منها النص في نهاية الأمر.


شخصيات مختلفة:

عند الحديث عن الشخصية القصصية سواء في الرواية أو القصة القصيرة، يتبادر إلى الأذهان أن المعنى هو الإنسان، وإن لواء البطولة في القصة لا يعقد إلا لهذا الإنسان، مع أن الأعمال الروائية والقصصية المشهورة تزخر بأبطال حقيقيين يتحكمون في مسار الأحداث، ولكنهم ليسوا رجالا أو نساء، ليسوا بشرا، وإن كانوا هم محور الأحداث، ومركز استقطابها، وعلاقتهم بالناس هي علاقة محكومة بظروفها، لا أقل ولا أكثر.
ونحن أمام عمل إبداعي مثل ( العجوز والبحر ) لهنجواي ننسب البطولة للعجوز، لكن هناك بطولة لشخصيات أخرى أشد ضراوة في مقاومة الظروف وتحدي الصعاب.. وأشد إصراراً على تحقيق هزيمة ساحقة بالعجوز الذي لم ينهزم لأنه يقول في النهاية : إن الإنسان قد يتحطم ولكنه لا ينهزم. فلدينا البحر الذي يشارك العجوز هذه البطولة، وكذلك سمك القرش الذي يشاركه أيضاً هذه البطولة، فنحن في هذا العمل الإبداعي أمام ثلاث شخصيات تتساوى في الأهمية : سانتياغو العجوز، والبحر الذي يقود الأحداث إلى المجهول، وأسماك القرش التي تصر على إلحاق الهزيمة بالعجوز.


الشخصية الإنسانية ليست شرطا:


فالشخصية الرئيسية أو البطل في القصة أو الرواية لا يشترط أن يكون إنساناً، قد يكون الزمان، أو المكان، أو الطبيعة، أو أحد المخلوقات التي يستصغرها الإنسان، فإذا هي تقوم بأعمال خارقة تبعث على الحيرة والتأمل في ملكوت الخالق، ونحن عندما نتحدث عن المكان ـ مثلاً ـ كبطل لقصة ما، فإننا لا نتحدث عن فلسفة الزمـن، ولا عن الزمن بمعناه الميكانيكي، بل باعتباره الإطار الذي يمكن أن يستوعب مجموعة من الأحداث والشخصيات.. يتحكم في توجيهها وفق معايير معينة ليصبح هو البطل الحقيقي في النهاية، وكذلك عندما نتحدث عن المكان ـ مثلا ـ فنحن لا نتحدث عن ماهية المكان، ولا عن المكان بمعناه الهندسي، بل باعتباره بعداً مادياً للواقع، أي الحيز الذي تجرى فيه ـ لا عليه ـ الأحداث، والمساحة التي تتحرك فيها ـ لا عليها ـ الشخصيات. بمعنى أن تأثيره يصل إلى حد التحكم في مسار تلك الأحداث والشخصيات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المقصود بالزمن هنا لا علاقة له بالتاريخ، حتى لا يلتبس علينا الأمر، ونظن أن كل رواية أو قصة تاريخية.. بطلها الزمن. كما أن المقصود بالمكان هنا لا علاقة له بالأيديولوجيا، حتى لا يلتبس علينا الأمر، ونظن أن كل رواية أو قصة ذات أيديولوجيا محددة.. بطلها المكان.. ويمكن اعتبار بطل قصة ( في ضوء القمر ) لجي دي موباسـان هو الزمن. بينما يمكن اعتبار بطل رواية ( الأرض الطيبة ) لبيـرل باك هو المكان..


ثانيا- الحدث :



لم تعد القصة القصيرة تحتمل حدثاً كبيراً يحتل مساحة زمانية أو مكانية كبيرة، بل أصبحت تكتفي بجزء من الحدث يستقطب حوله مجموعة مـن العناصر التي تتآلف لتكون في النهاية ما نسميه بالقصة القصيرة. وهذا الحدث الجزئي، وإن كان فيه إخبار عن شيء بذاته، لكن هذا الإخبار ينحصر في زاوية معينة، تاركاً المجال لعناصر القصة الأخرى لتتكاتف وتتآزر، فتحقق النجاح للقصة القصيرة، وهذا الحدث الجزئي أو الكلي قد يكون عادياً إذا جرد من العناصر الفنية المكونة للقصة القصيرة، لكنه يكتسب هذه الصفة بمجرد وضعه في دائرة الضوء، ليتشكل منه عمل فني يتنامى حتى يبلغ مرحلة النضج، بشكل متكافئ بين جميع تلك العناصر الفنية، وإن طغى أحد هذه العناصر على غيره أحدث خللا في البناء الفني للقصة، وشوه الهندسة المعمارية لهيكلها العام.


واقع وخيال

قد يكون الحدث من الواقع، وقد يكون من الخيال، لكن هذا الحدث في النهاية يرتهن ـ وبطريقة غير مباشرة ـ بنظرة المبدع الذي حاول استقاءه من الواقع، أو استحضاره من الخيال، معتمداً في ذلك على روافـد ثقافته العامة، بما فيها من مخزون تراثي وتربوي وبيئي، وهذه العوامـل لا تكوِّن إبداعـه فقط، ولكنها أيضاً تكون مجمل شخصيته كإنسان. إن تأثيرها واضـح على أعماله الإبداعية بجميع عناصرها ومنها الحدث. فالمبدع هو الذي يملك حق إطلاق سراح هذا الحدث، أي من مجرد فكرة.. إلى بداية لواقع معاش ولكن على الورق.



تأثير مختلف:

والحدث هي وظيفة يقوم بها فاعل معلوم أو مجهول ـ كما يريد المبدع ـ لكن هذه الوظيفة لا يتم أداؤها دوماً بشكل يرضي الجميع، لذلك يكون التأثير مختلفاً من حدث لآخر، أو ـ بمعنى أكثر دقة ـ من مبدع لآخر، وهذا الاختلاف هو التنوع الذي تفرضه الحياة بكل ما فيها من خير أو شر.. من تناقض وانسجام بين الأشياء.. من سلب وإيجاب في النتائج، من هنا يأتي هذا التنوع في المواد التي يبنى منها الحدث، ابتداء من مادته الأولية التي يتشكل منها، وانتهاء بتوحيد جميع مواده في شكله النهائي وإن كان مجرد جزئي، مع ملاحظة التفريق بين الحدث والموضوع في القصة، فالحدث ليس سوى مجرد عنصر من عناصر القصة، بينما الموضوع هو حصيلة مجموعة هذه العناصر بكاملها. وهو ـ أي الموضوع ـ الذي يمكن أن يوصلنا إلى الهدف، وإذا كانت استنتاجاتنا صحيحة، فإن المبدع ليس هو الذي يدلنا مباشرة على هذا الهدف، بل نحن الذين نستخلصه بقراءتنا المتعددة للنص، وهي متعددة بتعدد المتلقين. من هنا قيل إن القراءة هي كتابة جديدة للنص، ولكن من وجهة نظر المتلقي.

عنصر هام:

ونحن نتناول الحدث كعنصر من عناصر البناء الفني للقصة القصيرة، علينا أن نرصد وعينا بأهمية هذا العنصر، وعلى ضوء هذا الوعي يمكننا أن نحدد أهمية الحدث بالنسبة للعمل الإبداعي ـ القصة ـ ما دمنا نسـاهم في إعادة كتابة النص مجدداً.
ومع أن الحدث يحتاج إلى الدلالات والإشارات التي تؤدي إلى توضيحه أو تمييزه، بين العناصر الأخرى المكونة للقصة القصيرة.. إلا أننا لابد أن نسـلم بأنه لا يعتمد على السرد ليأخذ شكله النهائي، والتمادي في السرد هو من المآخذ التي يدينها النقاد في العمل القصصي، لكن توظيفه بشـكل ذكي ومتوازن مطلوب لتحديد معالم النص الإبداعي. فالسرد عنصر مهم إذا استخدم وفق مقاييس فنية دقيقة، كلما اقتضت الضرورة الفنية ذلك، ليس بالنسبة للحدث فحسب، بل بالنسبة للقصة ككل.


فراغ في البناء:

وتجاهل الحدث أو تهميش دوره في القصة القصيرة، يؤدي إلى وجـود فراغ في بناء القصة، هذا الفراغ لا يمكن أن يسد بمادة أخرى بحجة التجريب، وبحجة أن القصة من أكثر الفنون الأدبية قابلية للتطوير، وهنا لابد أن نفرق بين التطوير الواعي، والتجريب العشوائي، الذي يغري الكثيرين بولوج باب القصـة، فإذا هم بعد فترة، وقد تلاشت أسماؤهم بعد أن تلاشت كتاباتهم نتيجة الفشل.


اختلاف في الطريقة

وما من حـدث إلا وله بداية ووسط ونهاية لكن هذا الحدث كما هو الحال في بقية عناصر القصة القصيرة، يختلف في طريقة طرحه من مبدع لآخر، بحيث لا يمكن وضع قواعد صارمة ينحصر في دائرتها من حيث طريقة الطرح، وتسيير دفته في الاتجاه المطلوب، وهذا الاختلاف في طريقة الطرح تفرضه عوامل عديدة من داخل النص ذاته، ووفق توجهه وأجوائه العامة، حتى لا يبدو طرحاً قسرياً أو متناقضاً مع ما حوله. ومن أوجه ذلك إخضاع الحدث لجملة من المفاهيم الفضفاضة التي لا يستوعبها، ومنها مفاهيم علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسـفة الواقعية، والنظريات العلمية، مما هو فوق احتمال الحدث، ومما هو فوق طاقة القصة القصيرة بصورة عامة.
( وذلك لأن القصة ليست بالدراسة العلمية التي تعتمد في مناهجها على العقل المنطقي، بل هي فن يعرف بواسطة العلامات والرموز والأشكال. أعني الألفاظ والجمل والأسلوب والمعاني.. الخ. عن واقع لا يضارع واقعها الكلي، ولا علاقة للأول بالثاني، لأن واقـع القصـة متفرد، موحـد، مسـتقل بذاته، وكذلك هو الشأن بالنسبة للوقائع الأخرى، كالأحلام والرؤيا والخيال والذكرى، والحياة اليومية والأعمال الفنية والأدبية ) (6).



ثالثا-البيئة

لقد اتضح من حديثنا السابق عن الحدث أن هذا الحدث له بداية ووسط ونهاية، لكن هذا الحدث لا يتحقق في الفراغ، إذ لابد له من بيئة مناسبة تساعده على النمو، وهذه البيئة تتكون من الزمان والمكان في آن واحد، مع ملاحظة أن حجم القصة القصيرة يستوجب بالضرورة الـمحافظة على وحدة الزمان والمكان، حتى وإن تمـدد الزمـان أو المكان فإن ذلك يتحقق عن طريق ( المنولوج الداخلي ) دون أن تتمرد القصة القصيرة على زمانها أو مكانها، فهذا التمرد يودي بها إلى نوع من الترهل غير المستساغ، بل والمرفوض حسب ما يعنيه تعريف القصة القصيرة.


وعاء وبيئة:

والبيئة هي التي تحتضن الشخصيات والحدث، وتعطي المعنى للقصـة، فلا الشخصية بمفردها ولا الحدث بمفرده يمكن أن يعطي المعنى للقصة، فكلاهما بحاجة إلى ذلك الوعاء الذي يحتضنها وهذا الوعاء هو البيئة ـ زمانا ومكانا ـ وهنا تتحقق الوحدة العضوية عندما تكتمل هذه العناصر التي لا يمكن تجزئتها لأنها كونت وحدة مستقلة لها كيان ذاتي يؤدي إلى معنى دون سواه.

نقطة ارتكاز:

فالبيئة بهذا المعنى هي نقطة الارتكاز التي تتمحور حولها كـل العناصر لتعطي القارئ المعنى، وتصل به إلى (لحظة التنوير) عندما يتضح له الهدف الذي استطاع الوصول إليه، وعند المقارنة بين الرواية والقصة القصيرة نكتشف أهمية البيئة (وذلك لأن الرواية تعتمد في تحقيق المعنى على التجميع، أما القصة القصيرة فتعتمد على التركيز، والرواية تصور النهر من المنبع إلى المصب، أما القصة القصيرة فتصور دوامة واحدة على سطح النهر، والرواية تعرض للشخص من نشأته إلى زواجه إلى مماته، وهي تروي وتفسر حوادث حياته من حب ومرض وصراع وفشل ونجاح، أما القصة القصيرة فتكتفي بقطـاع من هذه الحياة، بلمحة منها، بموقف معين أو لحظة معينة، تعني شيئاً معيناً، ولذلك فهي تسلط عليها الضوء، بحيث تنتهي بها نهاية تنير لنا هذه اللحظة) (7) وهذا لن يتحقق إلا في بيئة تتوفر فيها كل الظروف الملائمة والمناخ المناسب لتحقيق هذه الغاية.


تحقيق الذات:

هناك نوع من القصص القصيرة التي تفـلت مـن البيئة الـواقعية إلى بيئة (فتنازية) يحاول فيها المبدع تحقيق ذاته في أجواء لا يستطيعها في الواقع المعاش، فإذا هذه (الفنتازيا) بيئة يمارس فيها المبدع انطواءه، وتذمره من الواقع، واحتجاجه على الكثير من الأوضاع القارة والسائدة في المجتمع. فهو يسعى إلى تحقيق رغباته في بيئة لا تنطبق عليها مظاهر أو شروط الواقع المعاش، ومع ذلك لا يمكن أن ننكر أنها بيئة صالحة للعمل الإبداعي، إذا توفرت لدى المبدع إمكانيات وأدوات تمكنه من أداء مهمته الإبداعية بالشكل والمضمون المناسبين. خاصة إذا سلمنا بأن المبدع والفنان عموماً ذو شخصية تتمتع بحواس وإمكانيات للإدراك فريدة من نوعها، تؤدي به إلى الالتزام بموقف لا يهتم بقبول أو رفض الآخرين له.


بناء ونسيج:

وعندما نتحدث عن بناء القصة، فإننا نعني هذه العناصر الرئيسة ـ الشخصية ـ الحدث ـ البيئة، لكن عندما نتحدث عن نسيج القصة فإننا نعني: اللغة ـ الوصف ـ الحوار ـ السرد، ومن هذه الأدوات يتكون النسيج العام للقصة وهي أدوات لا تستخدم استخداماً عشوائياً، بل لابد من توظيفها لتوضيح ملامح الشخصية وتطوير الحدث، وإبراز البيئة القصصية، لتكون هذه العناصر حاضرة أمام المتلقي بدرجـات متساوية قدر الإمكان، ولن يتحقق ذلك، ما لم تكن الأدوات المتاحة في نسيج القصـة مرتبطة بتلك العناصر ارتباطاً وثيقاً، فاللغة لابد أن تكون مطابقة لمستوى الشخصية أثناء الحوار، بحيث لا يمكن إنطاق ابن الشارع الجاهل بلغة المثقفين، فهذا الإنطاق يبدو متنافراً مع الواقع وغير مقبول على الإطلاق، وهذا لا يعني تحبيذ العامية في هذا النطاق، بل هو تحبيذ للغة بسيطة مفهومة من الجميع، وتكتب دون إخلال بمقومات النطق السليم، وقواعد الكتابة الصحيحة.
وكذلك الوصف لابد أن يقتصر على ما تفرضه العناصر الأساسية للقصة، حتى لا يطغى على هذه العناصر أو يربك إيقاع القصة المتناغم وانسجامها التام.
أما الحوار، فهو مطالب بأن يساعد على توضيح ملامح الشخصية، وجلاء الحدث، وأي حوار لا يضيف جديداً إلى الشخصية أو الـحدث، يندرج تحت مسمى اللغو الذي لا تحتمله القصة القصيرة.
وما ينطبق على اللغة والوصف والحوار.. ينطبق على السرد من حيث ملاءمته لعناصر القصة، وعدم تنافره معها أو إعاقته لنموها، وقد أصبح السرد من المآخذ التي يمكن أن تطلق على أي نص قصصي إذا نظر إليه بعين السخط التي تبدي المساوئ دون غيرها، مع أن القصة لا تخلو من السرد دون أن يكون سمة بارزة فيها، فالكاتب يلجأ إليه عندما تقتضي الضرورة الفنية ذلك كما أشرنا سابقاً





أنــــتــــهــــى 000

****************
************
**********
*******
*****
***
*

ملاحظة :


نص البحث تم أقتباسه بالكامل

وطباعة هذا البحث بهذه الصورة هو مجهود شخصي مني

لأضافة عنصر الجذب في هذا البحث0
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mfa65.forumegypt.net
 
بـحـث شـامـل عـن أدب الـقـصـة الـقـصـيـرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع الشاعر محمد فتحى السيد :: المقالات والدراسات الأدبية والنقدية-
انتقل الى: